حين تسود ثقافة الخرافة
صالح محمد الجاسر
ليس هناك أصعب من إزالة الخرافة من أذهان الناس، خاصة إذا ما تم الربط بين هذه الخرافة والدين وتم توارثها طوال سنين عديدة ، ونسجت حولها القصص والأساطير. وإذا كان أغلبية من يصدق الخرافة هم البسطاء من الناس، إلا أن هناك من المتعلمين من حين يقترب من الخرافة يصبح مثل الجاهل في التعاطي معها.
ورغم أن الشارع الحكيم وضع حداً واضحاً وصريحاً لكثير من الخرافات التي تُلبس لبوس الدين، إلا أنه لا تزال كثيرٌ من الخرافات تنتشر في عالمنا الإسلامي، ونجد أن هناك من يسعى إلى تأصيلها على أنها جزء من التدين، بل يحارب كل طرح يعارضها، وسبب ذلك أن هذه الخرافات تعد مصدر سلطة وثراء للقائمين عليها، أو المستفيدين من وجودها، فيحرصون على تعزيزها في أذهان الناس، وحمايتها من الاندثار.
هذا مدخل لخبر طريف نشرته صحيفة الأخبار المصرية (في 6/4/2010م) وجاء فيه أن هيئة الآثار المصرية والمجلس الأعلى للأقصر وبعد محاولات عديدة لنقل ضريح ومقام الشيخ بعيبش ومعارضة سكان المنطقة الذين كانوا ينظرون إلى الضريح نظرة تقديس وإجلال واعتقاد ببركاته، تم إقناع الأهالي بنقل الضريح وعددٍ من الأضرحة المجاورة له إلى مكان آخر، بعيداً عن واجهة معبد الكرنك الأثري، وبعد تشييد المكان البديل للضريح، واستعداد الأجهزة الأمنية والأثرية ووزارة الصحة لاستخراج جثمان الشيخ بعيبش، كانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد أنه لم يعثر في الضريح لا على الجثمان ولا على الكفن ولا يوجد أي دلائل تشير إلى أن أحداً دفن في هذا الضريح، وتكرر ذلك مع الأضرحة الأخرى المجاورة له، وكانت ردة فعل الناس ما بين من اعتبر هذه الأضرحة خرافة توارثها الناس عبر السنين، في حين اعتبر من تأصلت في نفوسهم ثقافة الخرافة أن ذلك من كرامات الشيخ ومجاوريه.
***
وإذا كان الحديث عن ثقافة الخرافة وانتشارها، وهي ثقافة لا تقتصر على عالمنا العربي أو الإسلامي، بل هي حاضرة في أماكن عديدة من العالم المتقدم منه والمتأخر، فقد كان لافتاً للنظر خلال الأيام الماضية تداول بعض وسائل الإعلام صورة لفوهة بركان أيسلندا الثائر، وأنها على شكل جمجمة إنسان غاضب، بل إن بعض الأيسلنديين اعتبروا ثورة البركان انتقاما من بريطانيا التي لم تتساهل معهم في تسديد ديونهم. وبركان أيسلندا مثالٌ على عجز الإنسان مهما بلغت قوته وجبروته أمام حوادث كونية تقع، ويكون موقفه منها موقف المتفرج الذي يكتفي بإحصاء الخسائر، إلا أن ما يختلف فيه بركان أيسلندا عن الحوادث الأخرى من فيضانات وزلازل أن العالم بأجمعه انشغل بالحديث عن تأثير هذا البركان في حركة النقل الجوي التي تعطلت عدة أيام ومنيت بخسائر فادحة لشركات الطيران بلغت ملياراً و700 مليون دولار، هذا غير تداعيات اقتصادية أخرى ترتبت على تعطل حركة الطيران، دون أن يسأل أحدٌ عن أيسلندا، ذلك البلد الصغير الواقع في أقصى الشمال الغربي من القارة الأوربية، الذي كان مضرب المثل في الازدهار الاقتصادي، ثم أصبح يعاني مشكلات اقتصادية تهدده بالإفلاس.