التربية بالسكاكين
الحادثة التي نشرتها جريدة «اليوم» بداية هذا الأسبوع عن تعرض طالب لم يتجاوز عمره إثني عشر عاماً للاعتداء بالسوط والسكين من قبل ذويه واكتشفها مدير مدرسته عندما حاول الطالب الهروب منها وهو يعاني حالة نفسية صعبة وبه آثار كدمات على الرقبة والرجلين وفي أنحاء متفرقة من جسمه وإصابة في اليد من سكين. هذه الحالة المؤلمة وغيرها كثير مما ينشر في الصحف وأكثر منه ما يتم تداوله بين الناس وقد تكون إحدى هذه الحالات مجاورة لمنزلك، لكنك لا تستطيع أن تفعل شيئاً لأنك لا تعلم ما يمكنك عمله لإنقاذ هؤلاء الأطفال من قسوة ذويهم أياً كانت الأسباب وراء هذه القسوة التي تصل إلى الجلد واستخدام السكاكين. وكما حدث في حالات سابقة نشرت تفاصيلها في الصحف كان الإجراء الوحيد الذي استطاعت المدرسة عمله هو كتابة خطاب إلى الإشراف التربوي بإدارة التربية والتعليم؛ ومن ثم الاتصال على «معذبيه» عفواً أقصد ذويه للحضور للمدرسة وتم أخذ تعهد عليهم بعدم تكرار الاعتداء عليه وانتهى دور المدرسة بتسليم الضحية للجلاد. لا أعلم متى سننتهي من حكاية هذا التعهد العجيب الذي أصبح يستخدم كعلاج للكثير من مشاكلنا؛ فحتى الذي يحاول الانتحار وبعد أن يتم إنقاذه من نفسه يؤخذ عليه تعهد بألا يكررها مرة أخرى؛ وأصبح التعهد الإجراء الأسهل للتطبيق مع أنه لا يعالج المشكلة ولا يحمي الضحية ولا يعاقب المعتدي؛ بل ينحصر دوره في إخلاء مسئولية الجهة المعنية لأنه أصبح لديها ورقة تعهد تؤكد أنها قامت بمعالجة للحالة ولم تتركها تمر أمامها دون أن تفعل شيئاً. أعود إلى الطفل الذي تم تسليمه إلى ذويه وهو متأثر نفسياً وجسدياً من إيذائهم له وأترك لكم التفكير في مصيره ؟! ومن سيحميه من أذى أكبر في قادم الأيام كما حدث للعديد من الأطفال الذين نشرت حكاياتهم المحزنة في العديد من الصحف. فنحن لم ننس بعد الأبرياء شرعاء وبلقيس وغصون وغيرهن الذين لم يفقدوا طفولتهم واستقرارهم النفسي والبدني فقط، بل فقدوا حياتهم بسبب العنف الأسري؛ ورغم ذلك مازال الدور الواضح والإجراء الصارم لحماية هؤلاء الأطفال يخضع لمبادرات الأفراد الشخصية ويضيع بين مراكز الشرطة وجمعيات حقوق الإنسان ودور الرعاية الاجتماعية دون إقرار نظام معلن وملزم بإجراءات وعقوبات واضحة وصريحة للتعامل مع كل أنواع العنف الأسري لحماية هؤلاء الأطفال الذين كل ذنبهم أنهم تحت سطوة من لا يستحق أو لا يستطيع أن توكل له رعايتهم. العديد من الدول في العالم وحتى بعض الدول المجاورة لنا لديهم قوانين وأنظمة ومؤسسات متكاملة للتعامل الصحيح والمناسب مع العنف الأسري ... فمتى نرى ذلك لدينا ؟