حمى المؤهلات العليا
حمى المؤهلات العليا يبدو لي أن (حمىّ) الحصول على الشهادات العليا -الدكتوراه تحديداً- من خلال الجامعات والمعاهد غير المعترف بها, وكذلك انتشار الإعلانات عن المكاتب التجارية التي تساعد في الحصول على تلك الشهادات لقاء مبالغ مالية، أضحت ظاهرة ملفتة، تشي بوجد خلل ما في نمط تفكير الساعين إلى نيلها وبأي ثمن!.. وأزعم أننا كمجتمع قد ساهمنا بشكل أو بآخر في تدافع المئات من مواطنينا، ومنهم من تجاوز السبعين لنيل تلك الشهادات، ظناً منهم بأنها ستضيف إليهم قيمة اجتماعية معينة، فنحن للأسف أسرى الشهادات الورقية، والتي باتت وحدها الطريق الموصل إلى الهدف المبتغى، وهذه خاصية المجتمعات النامية التي تؤمن بأن الحصول على الشهادات الورقية لا الكفاءة والثقافة والعلم، هي الطريق السالك نحو المراكز القيادية، وبالطبع فإن موضوعي هذا لا يشمل أولئك الذين حصلوا على شهاداتهم العليا بالجد والمثابرة والبحث, وسهر الليالي الطوال، فهؤلاء معروفون، وعلمهم ذائع، وكفاءتهم مشهودة لهم، ولكنني بالطبع أعني تلك الشريحة الجديدة التي ذكرتها، فأي قيمة معرفية نرتجيها أو يرتجيها صاحبها من شهادة يدفع في سبيل الحصول عليها آلاف الدولارات, وينالها في مدة لا تتعدى الأشهر، غير الوجاهة «والدكتور جا.. والدكتور راح!», لذا فإن الحصول على تلك الشهادات يدخل ضمن دائرة التزوير، وبيع الذمم، خاصة وأن الذي يمنحها، جامعات ومعاهد غير معترف بها أصلاً، ومع ذلك فإن الحاصل على تلك الشهادات المزورة لا يخجل ولا يستحي من وضع (الدال) أمام اسمه!.. نحن كمجتمع ساهمنا في الترويج لهذه الظاهرة المشينة انطلاقاً من احتفائنا، واحتفالنا بهذه النوعية المرضية من البشر، أنا أعرف أن وزارة التعليم العالي لا تعترف بأي شهادة علمية إلا من خلال جامعات معترف بها، وبإذن من الوزارة، ووفق ضوابط علمية معروفة. وأود التذكير فقط إلى أن عباقرة العالم، أمثال (انشتاين، وأديسون) وغيرهما من فلتات التاريخ البشري، لم يحصلوا على مؤهلات عليا، بل إن بعضهم كان فاشلاً دراسياً، ومع ذلك قدموا للبشرية خدمات وابتكارات لازلنا نجني ثمارها حتى اليوم. اللافت.. أن (الدكاترة) حقاً وصدقاً وعدلاً لا يذكرون ألقابهم العلمية إلا عند الضرورة، عند كتابة أيّ موضوع، لمعرفتهم أن القيمة الحقيقية لأي موضوع هو قيمته المعرفية، وما يتضمنه الموضوع من فكر وطرح ومعالجة لا اللقب العلمي لصاحبه. وإني لأحمد الله - الذي لا يحمد على مكروه سواه - أن أحداً من هؤلاء القوم لم يتطاول في أحلامه، فيشتري أكثر من (دكتوراه)، وإلا لكان علينا أن نتوقع أن يكتب موضوعاً (ما)، ويذيله ب(الدكاترة) فلان، كما يفعل الدكتور (زكي مبارك) حين كان -رحمه الله - يوقع مقالاته بـ(الدكاترة زكي مبارك)، ولله في خلقه شئون!!. تركي العسيري | ||