ابتسامات العشاق
ابتسامات العشاق عزيزة المانع (ابتسامات العشاق)، ألا تبدو هذه العبارة غريبة على السمع نوعا ما؟ نحن تعودنا أن نسمع (دموع العشاق) (آهات العشاق) (مصارع العشاق) (عذاب العشاق) (سهاد العشاق) وغيرها من العبارات التي تنم عن التعاسة والشقاء والألم الذي يكابده العاشقون، لكنا نادرا ما نسمع ذكرا لسعادة العشاق أو ابتساماتهم! هذه العبارة المختلفة التي وسم بها حسين أبو بكر المحضار أحد دواوينه، كانت أول ما لفت نظري إلى شعره، فمددت يدي أتصفح الكتاب الذي أعده عنه اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بحضرموت، بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاته. قرأت قوله: (هلت ليالي الوصل، ياشمس الجفا غيبي) فاستوقفني، الناس عادة يرمزون بالشمس إلى معاني الحياة: الضوء والوضوح والقوة، لكن المحضار هنا يرمز بالشمس لمعاني مغايرة، جعلها رمزا للكبد بجفاف وحرارة الاحتراق. وقرأت: «واويح نفسي لاذكرت أوطانها حنت حتى ولو هي في مطرح الغيب رغبانه وعلى الموارد لاجات للشرب تنغص قدها مقاله: شرب النغص يتعب الإنسان» فوجدت رؤية جديدة مختلفة في عيون هذا المغترب نحو الوطن، حيث لايكتفي بالتعبير عن الحنين والاشتياق وذكر الأهل والأحبة ومواطن الطفولة وغيرها مما اعتاد الشعراء التعبير عنه، وإنما هو هنا يضيف معنى جديدا مختلفا، هو يذكر أنه غير هانئ بالنعيم الحسي الذي يحيط به مما هو متوفر في بلاد المهجر، لأنه كلما أراد الاستمتاع بذلك، غشيه شعور ينغص عليه متعته، حين يتذكر أن أهله وقومه يعانون من كبد الشقاء والحرمان لا يجدون ما يجد من الخير والنعم، فتتكدر متعته وتغيب راحته، وتخنقه أمنية حزينة، لو أنهم يشاركونه ما هو فيه من الخير. حسين المحضار ولد في وادي دوعن، فامتزجت حلاوة العسل الدوعني بألفاظه، وانحدر من سلالة شاعرة حيث كان جداه (لأبيه وأمه) وأبوه وأخوه يقولون الشعر، فجرت البحور والقوافي في عروقه مع الحليب الذي رضعه، ونشأ في أسرة من الوزراء حيث كان جده وأبوه وأخوه الأكبر وزراء في الدولة القعيطية، فارتبط قلبه بالسياسة وتمكن فيه حب الوطن. لكن تعبيره عن حب الوطن يتماهى في شخص الحبيب، فإذا الحبيب هو الوطن وإذا الوطن هو الحبيب: باشل حبك معي بالقيه زادي، ومرفقي في السفر وباتلذذ بذكرك في بلادي، في مقيلي والسمر وانته عسى عاد باتذكر ودادي وإن قد تناسيت، يا ما ناس جم مثلك تناسوا الوداد في خير انته ونا بنلتقي في سعاد* (* سعاد: اسم آخر لمدينة سيئون) عزيزة المانع | ||