عندما يكون رأس المال شجاعا

	عندما يكون رأس المال شجاعا..! المشهور دائما أن \"\"رأس المال جبان\"\" يبحث عن الفرص السهلة والمضمونة والربح السريع، ويخاف من المخاطرة والمغامرات، ويرى أي نذير خطر وكأنه الخسارة الأكيدة فيهرب منها، وقد يتسبب هذا الهرب الجماعي في انهيار الأسواق والأزمات الاقتصادية. لكن ليس كل رجال الأعمال كذلك، ولذا فهؤلاء الذين يغامرون ويدخلون بذكاء وحرص- المناطق غير المألوفة لأقرانهم من المستثمرين يفوزون في المعادلة ويحققون الأرباح غير المتوقعة. كنت مرة مع واحد من أكبر رجال الأعمال العرب، وكنت أهنئه على نجاحه، فقال لي بأن نجاحه أتى فقط \"\"لأنني جيت قبل الناس\"\"، أي أنه سبق الآخرين زمنيا في الحصول على بعض الوكالات التجارية التي لم يكن يتوقع لها النجاح الساحق. بلغة أخرى، رجل الأعمال هذا تجرأ، حيث كان الآخرون أقل شجاعة، وثقف نفسه بتطورات قطاعات الأعمال حول العالم فسبق إلى مجاراتها، وحقق لنفسه بذلك اسما تجاريا لامعا. هذا المقال يركز في الأصل على نوع معين من الاستثمارات الجريئة، الذي يسمى في الغرب بـ (Venture Capitalism (vc كاستمرار لمقال الأسبوع الماضي، الذي تحدثت فيه عن أهمية هذا النوع من الاستثمارات في دعم المبادرات الجديدة والأفكار الخلاقة والطموحة، الذي يؤدي في النهاية لنمو المجتمع وتحقيق التفوق والسبق للأمة. لا توجد ترجمة حرفية لهذا المصطلح، وهناك من يسميه رأس المال المخاطر، أو رأس المال المجازف، وهناك ترجمة طريفة بأنه رأس المال الطموح، ولكنه في النهاية يعني أن الممول يمنح رأس المال لصاحب الفكرة، ويقوما بتأسيس شركة بينهما، ويقوم صاحب الفكرة بإنجاحها، ومن ثم يتم بيع الشركة لشركات أكبر، أو يتم طرحها في السوق المالية، الأمر الذي يوفر مزيدا من الدعم المالي للفكرة الجديدة. في الغرب تطور هذا المجال، حتى وجدت مجموعة هائلة من المؤسسات المالية المتخصصة في دعم الـ VC، وهي تكون عادة محافظ استثمارية تحصل على دعمها من بنوك تحرص على تنويع استثماراتها، أو رجال أعمال يريدون تنويع استثماراتهم أو المشاركة في تطوير قطاع معين وقطف ثمرات التطور فيه، أو شركات تريد إيجاد قدم لها في مجالات التطوير القريبة من هذه الشركات كما يحصل عندما تستثمر شركات الإعلام في مجالات التكنولوجيا أو العكس. لقد أحضرت ثورة الإنترنت والتكنولوجيا والاتصالات (إضافة للهندسة الحيوية) نموا شبه خرافي في هذا النوع من الاستثمارات، وأسهم تصاعدها السريع في خلق الطفرة الاقتصادية التي مرت بها الأسواق الأمريكية في أواخر التسعينيات التي تحولت لاحقا إلى فقاعة انتهى عهدها في عام 2000 ليعود العالم إلى رشده ويبحث بعقلانية أكبر عن الاستثمارات الناجحة في الإنترنت وجاء على أساس ذلك كله تجربة \"\"جوجل\"\" ثم \"\"يوتيوب\"\" و\"\"فيس بوك\"\" والتجارب الأخرى المميزة. في العالم العربي، لم أجد كثيرا من هذا النوع من المؤسسات، هناك بنك في البحرين اسمه \"\"فينشر كابيتال بنك\"\" يرأس مجلس إدارته الدكتور غسان السليمان، وهناك عدد من المميزين وذوي الخبرة في مجال التكنولوجيا، الذين يديرون مثل هذه الاستثمارات في الإمارات أو السعودية، وهناك استثمارات \"\"عالية المخاطرة\"\" تقوم بها بعض البنوك الخليجية وشركات الاستثمار على نطاق ضيق، إضافة إلى مغامرات صناديق الاستثمار المخاطر الغربية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي أعادت تسليط الأضواء على الأسواق النامية كبديل للأسواق الأوروبية والأمريكية التي تعاني شح المال وبطء النمو الاقتصادي. الجوهر الأساسي في نجاح شركات الاستثمار عالية المخاطرة هي القدرة على إيجاد الأفكار الذكية واللامعة التي تملك استراتيجية صحيحة ومستقبلا جيدا وتحتاج فقط للتمويل. كثير من المستثمرين العرب والسعوديين الذين قابلتهم ويملكون الحماس والاندفاع لدعم الأفكار الجديدة لا يملكون هذه القدرة، أو أنهم يبنون استثماراتهم على فرضيات استراتيجية خاطئة مثل الشعور بأن المعلنين سيقبلون فورا على الإعلان في الموقع الذي لديه عدد جيد من الزوار بدون الفهم الكافي لديناميكية سوق الإعلان وشروط النجاح فيه. هناك جوهر آخر في نجاح هذا النوع من الاستمارات وهو إيجاد الشريك الجيد، فالمستثمر قد تأتيه الفكرة الرائعة، ويتحمس للاستثمار لها، ولكن شريكه صاحب الفكرة لا يملك المقومات التي تؤهله للقيام بشركة ناجحة، لأنه ضعيف إداريا أو كسول أو أن تعليمه لا يكفي لتحويل الفكرة لمشروع ناجح. باختصار، رأس المال الشجاع إذا تزاوج مع الفكرة المميزة، وصاحب المبادرة القادر على النجاح، فإن النتيجة ستكون.. رائعة، بشكل يندفع فيه الدم في العروق، وتنطلق معه الطاقة في الشباب الذين يتم على يدهم بناء المستقبل..! د. عمار بكار