×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

رسالة إلى بعض المسئولين



مصالح الناس والتيسير عليهم واجب ليس فيه منّة.. قبل عدة أشهر في إحدى القنوات الفضائية برنامج حواري كان ضيفه أحد المسئولين في قطاع حكومي يعد من أكبر القطاعات التي تهم الناس وتلامس حياة كل مواطن, وبحجم تطلعات كل فرد في هذا الوطن الكبير كان تركيزي واهتمامي كبيرا لعلي أسمع منه ما يثلج الصدر ويبعث على التفاؤل. كانت التساؤلات الموجهة لهذا المسئول واقعية وغاية في الدقة والأهمية، ولكن المؤسف والمحبط أن إجاباته عليها كانت غاية في الالتفاف والتسويف والتصريف والتعتيم، فكان أهم ما لفت انتباهي فيها أنها مليئة بعبارات ".. خلال الأيام القليلة القادمة.." و".. أنه تم إعداد خطة إستراتيجية متكاملة سترى النور قريبا..." حتى وجدت هاتين الجملتين تكرران نسخا ولصقا في كل ردوده وتعليقاته, لقد جعلها كالمخارج يروح بينها ويجيء في مناورة كلامية ليتهرب بها من حصار المذيع بأسئلته والمشاهدين باتصالاتهم التي نبعت كلها من معاناة، وخرجت من واقع مرصود وملاحظ حول سلبيات تعتري أداء القطاع الذي يمثله.
استمرت تلك المناورة السلبية، ومرت الحلقة سجالا بين معاناة مواطن بسيط اكتوى بلهيب فساد إداري ولا مبالاة مسئول متهاون, وانتهى البرنامج، لأجزم أن المشاهد المتطلع والمهتم لم يخرج بأي فائدة، إلا بمزيد من الحيرة والإحباط. تساءلت حينها بدهشة كبيرة: هل يعي هذا المسئول ما يقول؟ هل هو فعلا يعلم بما يدور في محيط مسؤوليته؟ أقرب الإجابات أن معاليه يعيش في برج عاجي محاط بجدران الرفاهية والنعيم ولا يعلم بما حوله، كما لو كان قد جاء من كوكب آخر.. مرت الأيام والشهور وتبخرت تلك الوعود و"الأيام القليلة القادمة.." التي ذكرها وبشّر بالفرج بعدها اختل ميزانها وأصبحت أحجية معقدة اختلف فيها تقدير زمن "الأيام القليلة القادمة.." بين ذاكرة مواطن بسيط يراها دهرا طال أمده وضاق بها صبره؛ وبين مسئول ضميره نائم ولا يحسب قليل الأيام من كثيرها ولا يهتم بقصرها من طولها.
هذا المسئول والبعض ممن هم على شاكلته ممن لم يشعروا بعظم الأمانة وحجم المسؤولية التي احتملوها أمام الله عز وجل ثم أمام ولاة أمر هذه البلاد تجاه شعبهم الكريم قد ظنوا وخيل إليهم أن تلك المناصب التي وضعوا فيها إنما هي هبة لهم، وحق خاص لذويهم وخاصتهم، وأن المقاعد الوثيرة التي يجلسون عليها إنما هي غنيمة فازوا بها ليصلوا من خلالها إلى تحقيق مصالحهم, أما حقوق المواطنين الآخرين فهي نافلة تعطى وفق ما يروق معه مزاجهم تارة أو حينما يجود حظ المواطن بواسطة أو بما يمتد بالأيدي من أعطيات عبر ممرات خفية, أما عدا ذلك فالمشهد أشبه بقصة كفاح طويلة على المواطن أن يكتب مشاهدها أسى ومعاناة، من مكتب لآخر ومن موظف يتناول إفطاره إلى اجتماع لدى سعادته.. وهكذا تستمر تراجيديا في حلقات يحبس معها ذلك المواطن زفراته ويحمل أوراقه المخضبة بمداد البيروقراطية والروتين.
هذا الأنموذج من تراخي المسؤولية وإن لم يكن هو السائد ولا يمثل الحالة العامة إلا أن تأثيره السلبي كبير، وانعكاساته المضادة قد هدمت أجزاء كثيرة من جوانب العمل الإيجابي الذي يقوم به في المقابل - مسئولون شرفاء أوفياء نفخر بهم ويفخر بهم هذا الوطن، فهم أهل للأمانة وعلى قدر المسؤولية، ولكن المؤسف أن جهودهم تفقد بعض رونقها وبريقها حينما تلامس المحسوبية والتسويف والإهمال في أروقة قطاعات حيوية أخرى مساندة، إذ إن جميع القطاعات والأجهزة الحكومية والخاصة تحتاج إلى أن تعمل وفق منظومة واحدة تتكامل فيها أدوارها ومسؤولياتها، وتتضافر جهودها، لأن الأمانة واحدة والهدف واحد والوطن واحد وأي اختلال في أحد أركان هذه المنظومة سيعطل عجلة التنمية ويعيق التقدم في مختلف المجالات.
إن الوفاء بأمانة المنصب والعمل الجاد على حسن أدائها والالتزام بكامل المسؤولية تجاه رعاية حقوق الناس ومصالحهم هو واجب على كل مسئول ليس معه منّة ولا تفضّل فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فأشفق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به".. والحديث عن المسئول في أي جهة وقطاع لا يعني أنه وحده من يتحمل أسباب الإخفاق وعوامل التقصير، فبقية العاملين معه هم أيضا يتحملون جزءا منها، ولكن لأن ذلك المسئول يقف على رأس الهرم وبالتالي فصلاح عمله ومسؤوليته الحقة تمتد إلى كل من يعمل تحت إدارته، والعكس فإن فسدت مسؤوليته فشيمة بقية العاملين الفساد والتهاون في عملهم أسوة بالمسئول عنهم، وكل تلك الإرهاصات تقع على عاتق المواطن البسيط.
خادم الحرمين الشريفين أكّد مرات عديدة ـ وما زال ـ على جميع المسئولين بضرورة رعاية حقوق المواطنين وتحقيق مصالحهم وتوفير احتياجاتهم والتيسير عليهم، كما أكد على ضرورة الإنجاز وعدم التأخير في تنفيذ المشروعات الخدمية، وأن تكون أبواب المسئولين مفتوحة للمواطنين لاستقبالهم والاستماع إليهم بكل رحابة وإنصات. وكم كنا نتمنى أن يكون هذا هو النهج الذي يمثله ويسير عليه كل مسئول وألا نشاهد أيا من صور التقليل أو التعالي على مواطن بسيط جاء مطالبا باحتياجاته وحقوقه.
ولهؤلاء المسئولين الذين ظنوا أن لهم على بقية المواطنين درجة فأوصدوا دونهم الأبواب أو جعلوا مكاتبهم ساحة يكال للمواطن فيها الازدراء والسخرية والغلظة في القول؛ أقول أحسنوا أداء الأمانة وأوفوا بما وليتم مسؤوليته فإنكم محاسبون عليها بين يدي الله عز وجل.


عوض علي الوهابي
سراة عبيدة

 0  0  17978

الأكثر قراءة

سمير المقرن الحادثة التي نشرتها جريدة «اليوم» بداية هذا الأسبوع...

03-17-2010 06:11 الأربعاء

لأول مره التعبير عن التعبير عوض الأحمري منذ أن حملت مع أبناء...

06-28-2010 06:05 الإثنين

نشرت صحيفة «الغد» الأردنية في عددها الصادر يوم 21/2/2010 الإعلان...

03-13-2010 06:52 السبت

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية مسفر القحطاني...

06-26-2010 10:30 السبت

ترقبوا ؟؟؟ نورة الاحمري لقد كان من كم يوم هدية من خادم...

09-05-2010 11:10 الأحد

لعنة000الكرسي !البعض يعتقد انه الأمر الناهي منذ أن يتسلم مسؤولية...

09-02-2010 11:38 الخميس

محتويات

التربية بالسكاكين

التربية بالسكاكين

سمير المقرن الحادثة التي نشرتها جريدة «اليوم» بداية هذا الأسبوع عن تعرض طالب لم يتجاوز عمره إثني عشر عاماً..

03-17-2010 06:11 الأربعاء   90954
لاول مره التعبير عن التعبير

لاول مره التعبير عن التعبير

لأول مره التعبير عن التعبير عوض الأحمري منذ أن حملت مع أبناء هذا الوطن حقيبة المدرسة وأنا أتلقى و أتلقن مواضيع..

06-28-2010 06:05 الإثنين   98581
وظيفة سعودية في صحيفة أردنية

وظيفة سعودية في صحيفة أردنية

نشرت صحيفة «الغد» الأردنية في عددها الصادر يوم 21/2/2010 الإعلان التالي: «فرصة عمل في المملكة العربية السعودية، مطلوب..

03-13-2010 06:52 السبت   89128
المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية مسفر القحطاني دخلت في الآونة الأخيرة عملية إجراء المقابلات الشخصية..

06-26-2010 10:30 السبت   91446

جديد الفيديو