شياطين الأسعار
شياطين الأسعار حرية التجارة، السوق الحر، المنافسة الاقتصادية جميعها على العين والرأس كقيم اقتصادية جاءتنا بها الرأسمالية، لكن ما دخلها فيما يحدث حين تستيقظ فجأة شياطين الأسعار، فتهب لترفع أثمان سلعة ما دون مقدمات ولا مسوغات ولا مبررات اقتصادية حتمية تحكمها تلك الحرية المتروكة لحركة السوق، كما حدث لأسعار حديد التسليح أخيرا؟ لقد كانت الأمور مستقرة بعد استقرار السوق وأسعارها بزوال موجة الغلاء، وإن لم تعد لما كانت عليه قبل تلك الموجة السعرية - لا ردها الله علينا، وكان المستهلكون راضين وقانعين بمستوى الأسعار كما أصبحت عليه، وأكثر ما أراحهم هو استقرارها عند سقف معلوم، لكن حديد التسليح أيقظ «فتنة» الأسعار مرة أخرى وحرك بحيرتها الهادئة، ولحق به سعر الأسمنت أيضاً وهو ما يجعلنا ندعو الله ألا تكر السبحة, ولا نعلم إلى أين ستصل كرة ثلج الأسعار إن هي استمرت في التدحرج فوق رأس المستهلك. هذه السلعة أو تلك ليست موضوعنا, موضوعنا ونقطة بحثنا هو من يقف وراء رفع الأسعار بهذا الشكل المفاجئ بين وقت وآخر؟ حين حركت «فتنة» الأسعار رأسها بحديد التسليح وضج الناس واشتكوا لأن الأمور مستقرة - ولله الحمد - وحركة السوق عادية, شمرت وزارة تجارتنا - جزاها الله خيرا - فهددت وأزبدت بالوعيد الشديد بكل من يتلاعب بالأسعار من الموزعين للحديد وعدم الالتزام بالأسعار المحددة, وطالبتهم بعدم إخفاء ما لديهم من مخزون حتى لا يطبقوا القاعدة الاقتصادية المجحفة «العرض والطلب» بجعل العرض يقل عن الطلب ما يسمح لهم برفع الأسعار, لكن خرجت علينا شركة سابك المنتج الأول والأساسي والأجود لحديد التسليح لترفع أسعارها بـ 200 ريال, ليس لأن التكلفة زادت عليها, لكن لتحد من زيادة الطلب على منتجها الأقل سعرا في السوق ولمقاربته مع غيره! وهذا في تصوري ليس حلا, ففيه وفي تهديد وزارة التجارة اعتراف بأن ما تعرضت له أسعار الحديد من ارتفاع نتاج لتلاعب في السوق, ومحاولة لاختلاق أزمة على وقع حركة العمران التي انطلقت بعد تراجع أسعار مواد البناء, لجني مكاسب لا مشروعية لها على حساب المستهلك الذي تقف وزارة التجارة, على الرغم من منافحتها عالية الصوت, وجثة إدارة حماية المستهلك عاجزة عن حمايته وحماية حقوقه من «مافيا» سوق لا تتوانى عن استغلال أي فرصة لرفع الأسعار, وإن لم توجد تختلق بطريقة أو بأخرى, عاجزة عن لجم هذا الجشع. أعجب وأغرب ما في أزمة أسعار الحديد أن موزعيه حملوا شركة سابك مسؤوليته, وقالوا, وأسمعوا منطق السوق الحر المادي بأنها حين أبقت على أسعار بيعها أقل من مستويات الأسعار العالمية أخلت بقوانين «الاقتصاد الحر», وهو ما أدى إلى وجود فجوة سعرية بين أسعار بيع حديد سابك والمنتجات الوطنية الأخرى, وبناء على هذا المنطق المادي البحت, فقد كان يجب أن ترفع «سابك» أسعارها حتى لو لم يكن هناك نقص في السوق, وزيادة عليها في تكلفة الإنتاج, بل فقط تضامنا ومسايرة مع ارتفاعه في السوق العالمية. وهنا نسأل هؤلاء الموزعين إذا لم تكن هناك زيادة في تكلفة الإنتاج ويطالب برفع الأسعار بسبب السوق العالمية .. أين يذهب فارق السعر؟ أليس إلى جيوب الموزعين؟! القضية كما ذكرنا ليست قضية الحديد فقط, بل آلية تحديد الأسعار عموما التي تبدو أنها متروكة لمزاج السوق وليس لقوانينها, ومن ذلك مثلا هذا الارتفاع الجنوني في أسعار العقار, وما طرأ على الإيجارات من حمى لا ترحم, ولو طبقنا قوانين سوقهم الحرة لما وجدنا منها ما ينطبق على مثل هذه الارتفاعات الفجائية والمحمومة. نتمنى يا وزارة التجارة أن تصيبك هذه الصحوة لتمتد إلى أسعار العقار ومنه الإيجارات التي أوغل فيها الملاك استغلالا وجشعا. نواف مشعل السبهان | ||