حذر من نوع آخر
من حق كل صحيفة ومجلة، وأية وسيلة إعلامية أن تكون لها سياستها ونهجها وتوجهها .. لكن مايؤخذ على بعضها المبالغة فى الحذر والخشية (غير المبررة)، وأورد مثالا من عدة أمثلة على ذلك.
لقد بعث أحد الكتاب الصحافيين بمقال إلى رئيس تحرير إحدى المجلات، وعندما لم ينشر فى موعده اتصل يسأل عن السبب .. فكانت إجابة رئيس التحرير (تبغى تودينا فى خبر كان)، فبعث نفس المقال إلى إحدى الصحف، وعندما لم يتم نشره فى توقيته اتصل كذلك يسأل .. فأتته إجابة رئيس التحرير (أنت ناوي تقفل الصحيفة)، ودار نقاش بيزنطي.
واصل الكاتب محاولاته لنشر نفس المقال، لأنه لم ير فيه مايمنع نشره .. فأرسله إلى صحيفة أخرى، فإذا به ينشر كاملا وفى مكان مناسب .. ولم يذهب رئيس التحرير فى خبر كان، ولم تقفل الصحيفة، ولم يسأل الكاتب، بل كان مدخلا لنشر مقالاته في تلك الصحيفة.
إنه الحذر المبالغ فيه، وغير المنصوص عليه فى أنظمة وقوانين النشر، ولا فى التعليمات الرسمية، وقد يكون خشية غير مبررة على فقد الموقع .. وقد قال أحدهم صراحة بأنه اليوم فى موقع يمكنه من الاتصال بأي مسؤول، وعندما يغادره قد لا يستطيع الاتصال حتى بسكرتير المسؤول.
اليوم اتسع هامش حرية الكلمة (إلى حد ما)، وأصبحنا نقرأ مواد ومقالات صحافية هادفة وأكثر وضوحا، ودخل هذه الساحة صحافيون وكتاب أكفاء .. لكننا أصبحنا أمام حذر من نوع آخر، يتمثل فى مقولة (مس قلبي ولا تمس رغيفي)، فأي نقد أو ملاحظة حتى لو كانت بصيغة رمزية توجه لإحدى الجهات (التجارية) التى تشكل رافدا ماليا للصحيفة، فإنه لايتم نشرها وتعتبر من المحظورات .. وعندما نتحدث مع بعض رؤساء التحرير فى هذا الشأن نجد لديهم بعض المبررات المنطقية، إلى جانب أن أعضاء مجالس الصحف يطالبون إدارات التحرير بتحقيق مزيد من الإيرادات.
لذلك لايكون أمام الصحافيين والكتاب سوى تعديل (البوصلة) نحو الجهات الأخرى التى لاتشكل إيرادا للصحف .. وعلى القراء أن لايلوموا الصحافيين والكتاب عندما لايتناولون بعض الجهات بالنقد والملاحظة .. وإذا كان هناك من يقول بأن الصحافة هى العين الثالثة للمسؤول، يرى من خلالها جوانب التقصير والإخفاق ليسعى إلى تقييمها ومعالجتها، فإن تلك الجهات بعيدة عن هذا المثل، وأخشى أن يقعوا فى المحظور، وأرجو أن لايكون بعد خراب البصرة .. وبالله التوفيق.
عبدالله النويصر