احذر خلفك صحفي
لا أعتقد أن مستوى الحرية الصحفية والنقد للقضايا المحلية قد وصل إلى مستوى مثلما وصل إليه اليوم، فالنقد والتعليق سواء من خلال المقالات أو التقارير الصحفية لم يسبق من قبل خصوصاً على مستوى بعض الجهات الحكومية التي كان نقدها في السابق يعد خطاً أحمر لا يمكن الاقتراب منه فضلا عن تجاوزه ولذلك عدة أسباب لعل في مقدمتها التطور التقني الذي أصبح جزءا رئيسياً من حياتنا فأصبحت المعلومة حاضرة في كل ثانية وتأتي إليك مباشرة دون أن تبحث عنها، إضافة إلى تطور الفكر الإداري لدى الجهات الرسمية.
وقد ساهمت هذه الحرية في طرح عديد من القضايا المحلية، التي لم نكن نسمع عنها في السابق سواء كان على مستوى أمني أو اقتصادي أو اجتماعي كما ساهمت هذه الحرية في وضع قيمة إضافية للعاملين في المجال الإعلامي ففي الوقت الذي كانت وظيفة إعلامي في السابق يتم شغلها بمؤهلات علمية متواضعة ويتم تقديم عروض مادية قليلة مما أسهم في شغل كثير من الوظائف في المؤسسات الإعلامية بعاملين بنظام المكافأة المقطوعة أو العمل الجزئي، أما اليوم فالإعلامي هو عملة مميزة يتم تأهيله في أرقى المؤسسات التدريبية كما يتم تقديم المنح التعليمية له في أفضل المؤسسات، وفي المقابل يتم تدريب المميزين في كبرى المؤسسات الإعلامية حول العالم كما يتم تقديم أفضل العروض المالية عند التوظيف بل إن بعض المؤسسات الإعلامية تدخل في منافسة لاستقطاب المميزين من الإعلاميين.
والصحفي أو الإعلامي إذا ما التحق بمؤسسة وكان مبدعاً ومتميزاً فرض أسلوبه على مؤسسته وأضاف قوة إلى قوتها، بحيث تصبح المادة الإعلامية في مجموعها مترجمة لرسالة وأهداف المؤسسة كما أنها تصبح مرجعاً ودليلاً يعود إليه الكثير للاستشهاد به وتوثيق ما جاء فيه.
واليوم تشهد الساحة الإعلامية سجالاً حامياً لم يسبق له مثيل، فيكفي أن تكون من منسوبي إحدى المؤسسات الإعلامية ليشار إليك بالبنان ولتصبح محط الأنظار بغض النظر عن طبيعة وظيفتك، فالقيمة الإعلامية للمؤسسة التي تعمل فيها أضافت وزناً إلى قيمتك بل إن الواقع الاجتماعي للإعلام اليوم أضاف وزناً للإعلام لم يكن موجوداً في السابق فيكفي أن تكون صحفياً أو كاتباً أو مذيعاً أو معداً لبرنامج أو منتجاً أو غيرها من الوظائف المرتبطة بالمؤسسات الإعلامية لتصبح شخصاً مهماً، كيف لا والعاملون في المؤسسات الإعلامية يستطيعون من خلال ما يقدمونه من قضايا أن يؤثروا في الرأي العام من ناحية وأن يكون هناك حراك داخل المجتمع تجاه بعض القضايا مما قد يساهم في اتخاذ بعض القرارات الاستراتيجية، فالإعلامي الذي يطرح قضاياه اليوم سواء من خلال برنامج تلفزيوني أو إذاعي أو من خلال صحيفة أو مجلة أو حتى من خلال بعض المواقع الإلكترونية يسهم بشكل كبير في تحريك أجهزة حكومية ومؤسسات بأكملها من خلال ما يطرحه بل إن بعض الناس يلجأ إلى الإعلاميين اليوم لنصرة قضيته وطرحها وأخذ حقه الذي ظل يبحث عنه بل وإسماع صوته الذي لم يستطع أن يوصله للمسؤولين من خلال القنوات العادية.
ولعل البعض ينتقد مثل هذا الواقع بالنسبة للإعلاميين ويتحفظ على هذه القيمة المضافة لهم معتقداً أنها قيمة في غير مكانها فهم يرون أن بعض القضايا التي تطرح في المؤسسات الإعلامية تفتقد التوثيق والبعض الآخر يفتقد المصداقية وسواء وافق على هذا الأمر أم لم يوافق فإن الواقع يفرض نفسه فللإعلامي اليوم كلمة يقدمها ويطلع عليها الملايين من البشر ومنهم من يقتنع بمضمون هذه الكلمة ومنهم من لا يقتنع.
وما أتمناه أن تكون القيمة المضافة للإعلامي ومكانته في المجتمع قيمة حقيقية مبنية من خلال مصداقيته ومن خلال دقة ما يطرحه من آراء وقوة ما يقدمه من أفكار تسهم في بناء المجتمع وإحقاق الحق والإنصاف، فمثل هذا الطرح يسهم فعلاً في زيادة قيمة الإعلامي ووزنه في المجتمع بدلاً من أن يكون الإعلامي عنصر تخويف يساهم في طرح قضايا غير موثقة تسهم في إشاعة البلبلة والفتن في المجتمع.
إبراهيم باداود