×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

الحـريــة..!

الحـريــة..!
(الحرية) تأتي في الدرجة الثانية بعد حق الحياة، إذ لا قيمة للحياة بغير اعتبار لحق الحرية، وتلبس به، ومزاولة له، والحرية: كلمة حلوة، جميلة المبنى والمعنى، لها بريق ساحر أخّاذ جعل كل الناس يحبونها، ويتغنون بها، ويسعون إليها.
والحرية في أصل اللغة تدل على النفاسة والخلوص من شوائب الضعة واللؤم. وقد استعملها القرآن بهذا المعنى عند الحديث عن أم مريم، فقال: (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت ما في بطني مُحرّراً فتقبل مني) آل عمران:35. أي خالصاً من جميع شوائب الدنيا.
والحرية من الأشياء أفضلها، يقال: رجل حرّ: أي كريم. قال النووي: وحرّ كل شيء: أفضله، وقد استعمل الحديث النبوي هذه الكلمة في مثل هذه المعاني الحسنة الجميلة، عن عائشة قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، فأقول\" \"أو تهب الحرة نفسها\". رواه النسائي، أي الشريفة.
والحرية في اصطلاح علماء الشرع: الخلوص من شائبة الرّق، والحرية هي الأصل في الإنسان، وعليه جاء قول عمر بن الخطاب: \"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً\".
ومن قواعد الفقه: \"الحر لا يدخل تحت اليد\"، ومعناها: أن الحر لا يستولي عليه استيلاء الغصب والملك، فلا يباع ولا يشترى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: \"قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً، فاستوفى منه، ولم يعطه أجره\". رواه البخاري.
فالحرية تعني إذاً الخلاص من عوامل الضغط، والإكراه، والتسلط، ومن مثالب اللؤم والخسّة، ومن شنيع السلوك في القول والعمل، فهي عنوان فخر وسمة فضل، وبرهان رقي وتحضر وتقدم، وهي حق لكل إنسان بصرف النظر عن عرقه، ولونه، ودينه، وليس من حق أحد كائناً من كان أن يسلبه هذا الحق، أو يحرمه منه، فلكل إنسان أن يعيش كما يجب، ويتصرف كما يريد من غير أن يكون لأحد سلطان عليه، إلا سلطان النظام والقانون، والآداب العامة، فله أن يفكر، ويدبر، ويأمر وينهي، ويعلم ويتعلم، ويبيع ويشتري ويسافر ويقيم، ويخطب ويتزوج، ويصادق ويشارك، ويوكل ويتوكل، يفعل ما يحلو له، وفق مشيئة حرّة، وإرادة مطلقة، ما دام في دائرة الحق والنظام، والانضباط بقيود الفضيلة والآداب العامة، وهذا يعني أنه ليس من الحرية المصونة، ولا من سماتها ولوازمها استحلال الخبائث، واستنهاض الرذائل، واستباحة الفواحش، والتطاول على الناس، والعدوان على حقوقهم، وأكل أموالهم، والعبث بأمنهم، ومن ادّعى أن هذا من الحرية، فقد ذبح الحرية بأبشع سكين. وكان على السلطة أن تضرب على يده بسوط من حديد.
إن الإسلام أقوى المذاهب والمبادئ تقريراً للحرية الرشيدة، وتأييداً لها وترغيباً فيها، ودفاعاً عنها، وتنظيماً لها، لأن كرامة الإنسان لا تبرز ولا تتحقق إلا من خلال تأصيلها وتأمينها، وممارستها قولاً وعملاً على كل المستويات، وفي كل الجهات، لأن الحرية هي السمة البارزة التي تتحقق من خلالها كرامة الإنسان، وتستقيم صلاته الشريفة، وتنمو ملكاته الصالحة، ويزدهر عطاؤه النافع المفيد، وإذا ما انحسر سلطان هذه الحرية، ووضعت أمامها السدود، وفي عنقها القيود وحرم الناس من التمتع بها، فقد آذن نجم الأمة بالأفول، وأصاب كل لون من ألوان نشاطاتها الذبول، والخمول، وجف كل معروف، واستحال أي تقدم، ولا بدّ عندئذ من أن يركب الأمة الذل والهوان، ويذهب بعظمتها هذا النوع من الإكراه والطغيان.
نعم، إنه من خلال الحرية الشريفة تبرز كرامة الإنسان، وتتأصل معالم الإنسانية، وتزدهر حياته، وينمو الخير، ويتوطد الحب، وترسو قواعد التعاون والتآخي بين الناس. إن تقرير مبدأ الحرية ليس هو حقاً فقط للإنسان، يجوز له التنازل عنه، والتحلل منه، بل هو من الواجبات الدينية والاجتماعية. وليس هو أيضاً من باب الصدقات التي يتصدق بها الحكام على الناس، ويمنون به عليهم، بل هو واجب الأمة حكاماً ومحكومين، أفراداً وجماعات، عليهم جميعاً أن يصونوا هذا الواجب، ويوفروا له كل الفرص، ويهيئوا له كل المناخات ليبرز قوياً فعالاً، يؤدي دوره على أعلى المستويات، وفي كل الظروف.
والحرية في العرف والاصطلاح كيان ذو شعب، من أبرزها حرية الاعتقاد، وحرية الرأي والتعبير، والحرية السياسية وهذه الثلاث أولاها الإسلام اهتماماً خاصاً، ووضع لها الأطر والنظم التشريعية ليكفل نماءها في ظل ممارسات أدبية شريفة بناءة. فالحرية العقدية مضمونة، والإسلام لم يكره أحداً على تغيير معتقده، لذلك نجد الديانات المتعددة في ربوع الدولة الإسلامية، ولم يعهد أن أحداً أرغم على تغيير دينه، لأن الدين والاعتقاد محلهما القلب، والقلب ليس لأحد سلطان عليه إلا سلطان الرب عز وجل، قال تعالى: (لا إكراه في الدين) البقرة:256. وقال الله تعالى للنبي: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس:99. وقال له: (وما أنت عليهم بجبار) ق:45. وقال: (وإن تولوا فإنما عليك البلاغ) آل عمران:20. وما الجهاد في الإسلام إلا لمنع الفتنة، وتأمين الحرية، قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) البقرة:193. وأما حرية الرأي والتفكير والنصح والتعبير، فالأدلة على تقريرها ووجوب أدائها أكثر من أن تحصى، وعدّ الدين الساكت عن الحق، والتارك للنصح أشبه بالشيطان الأخرس، قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران:104.
وقد كان حكام المسلمين في صدر الإسلام يصرخون بالناس ليعبروا عن آرائهم بالكلمة الجريئة، والنصح المفيد، وقد قال عمر رضي الله عنه لرعيته: \"لا خير فيكم إن لم تقولوا ولا خير فينا إن لم نسمع\". وكانت المرأة تقول له في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الجماهير: أخطأت يا عمر، ويقول الآخر: اعدل فينا يا ابن الخطاب. ولهذا كانت نصيحة الحكام من شعائر الدين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"الدين النصحية\"، قيل: لمن يا رسول الله، قال: \"لله ولكتابه، ورسوله، وأئمة المسلمين وعامتهم\". رواه مسلم. ولقد بايع الصحابة نبيهم على أن يقولوا الحق أينما كانوا لا يخافون في الله لومة لائم. رواه البخاري ومسلم. وترك هذا الحق والإعراض عن هذا الواجب مؤذن بموت الأمة، وذهاب عزتها وقوتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له أنت ظالم، فقد تُوُدّع منهم\". رواه أحمد.
أما السياسة في الإسلام فإنها تعني: القيام على الشيء بما يصلحه، فهو من باب التدبير والإصلاح، والقيادة، وينبغي أن يتولاها الأكفاء الصالحون، وهي معبر لكل أحد يملك القدرة والقدوة والصلاح.
والسياسة الشرعية في الإسلام تقوم على ثلاث قواعد: الأولى: سيادة الشريعة، والثانية: الشورى، والثالثة: العدل.
ونعني بالحرية السياسية حق الناس في إبداء الرأي في القضايا العامة، وحقهم في الترشيح لشغل الوظائف الحكومية، وإدارة شؤون الناس، وحقهم بالإدلاء بأصواتهم في انتخاب الحكام، وممثلي الأمة، وحقهم في نصح الحكام وانتقاد ما اعوج من مسالكهم، وواجب الحكام أن يوفروا للناس الفرص ليصل كل فرد بمواهبه وكفاءته إلى ما هو مؤهل له من خدمة الأمة ونصحها، واستمع إلى هذا البيان الحكومي الذي قاله أبو بكر الصديق يوم تولى الخلافة: \"أيها الناس، لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسدّدوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم\".
وقال عمر بن الخطاب: \"من رأى فيّ اعوجاجاً فليقومه\". فقال له رجل: لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فرد عمر عليه قائلاً: \"الحمد لله أن كان في أمة محمد من يقوم اعوجاج عمر بالسيف\". وهذا ليس معناه الثورة على الحكام، وإنما معناه عدم السكوت على أخطائهم، وممارساتهم المنحرفة، فالأمة بحكامها، ومحكوميها، كالجسد، ينبغي تعاون أعضائه جميعاً في تقديم المفيد النافع.
بواسطة : admin
 4  0  9985

الأكثر قراءة

سمير المقرن الحادثة التي نشرتها جريدة «اليوم» بداية هذا الأسبوع...

03-17-2010 06:11 الأربعاء

لأول مره التعبير عن التعبير عوض الأحمري منذ أن حملت مع أبناء...

06-28-2010 06:05 الإثنين

نشرت صحيفة «الغد» الأردنية في عددها الصادر يوم 21/2/2010 الإعلان...

03-13-2010 06:52 السبت

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية مسفر القحطاني...

06-26-2010 10:30 السبت

ترقبوا ؟؟؟ نورة الاحمري لقد كان من كم يوم هدية من خادم...

09-05-2010 11:10 الأحد

لعنة000الكرسي !البعض يعتقد انه الأمر الناهي منذ أن يتسلم مسؤولية...

09-02-2010 11:38 الخميس

محتويات

التربية بالسكاكين

التربية بالسكاكين

سمير المقرن الحادثة التي نشرتها جريدة «اليوم» بداية هذا الأسبوع عن تعرض طالب لم يتجاوز عمره إثني عشر عاماً..

03-17-2010 06:11 الأربعاء   77904
لاول مره التعبير عن التعبير

لاول مره التعبير عن التعبير

لأول مره التعبير عن التعبير عوض الأحمري منذ أن حملت مع أبناء هذا الوطن حقيبة المدرسة وأنا أتلقى و أتلقن مواضيع..

06-28-2010 06:05 الإثنين   88201
وظيفة سعودية في صحيفة أردنية

وظيفة سعودية في صحيفة أردنية

نشرت صحيفة «الغد» الأردنية في عددها الصادر يوم 21/2/2010 الإعلان التالي: «فرصة عمل في المملكة العربية السعودية، مطلوب..

03-13-2010 06:52 السبت   71338
المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية مسفر القحطاني دخلت في الآونة الأخيرة عملية إجراء المقابلات الشخصية..

06-26-2010 10:30 السبت   73506

جديد الفيديو