من الشيخ الطنطاوي إلى الشعب السوري
الشيخ علي بن مصطفى الطنطاوي ، وما أدراك ما الشيخ الطنطاوي ، علم من الأعلام ، وجهبذ من الجهابذة ، أديب فقيه محدث، اتجه للعلم فنال منه أوفر حظ وأعظم نصيب، دَرَس ودرّس ، تعلم وعلّم ، بزغ نجمه ، وظهرت فطنته في حداثة سنة جمع في تحصيله العلوم الدينية وعلوم العربية، ابتدأ التدريس في المدارس الأهلية في دمشق وهو في الثامنة عشرة من عمره ، تدرج في سلكي التعليم والقضاء، رجل نال إعجاب الناس وحبهم وقبولهم ، له اسلوب محبب جذاب يفهمه المثقف والعامي، له كثير من المؤلفات في الدين والأدب والسيرة والكثير من المحاضرات في مختلف القضايا ، له برامج إذاعية وتلفزيونية لعل أشهرها برنامج \"على مائدة الإفطار\". يذكر أن الشيخ الطنطاوي توفي عام 1999م في جدة، ودفن في مكة.
وجدت في إحدى المواقع رسالة وجهها الشيخ للشعب السوري قبل ثمانين عاما، وكأنه يخاطب هذا الشعب الآن وفي هذا الزمان الذي يتعرضون فيه لأقسى الشدائد وأشد المحن على يد نظام جائر لا يتورع عن القتل والتدمير والتخريب في سبيل بقاءه.
إليكم الرسالة والتي نشرت سنة 1931م:
لا قوة إلا قوة الحق ولا مجد إلا مجد التضحية
نشرت سنة 1931
لقد اتضح الأمر وظهر الخبيء، وعلمنا أن الحارس لص والحامي غاصب ، ولكن دمشق لم تمت.كلا ، بل هي تدافع عن حقها وتبذل مهجتها في سبيل حريتها. ولقد كاد ينفجر البركان ، وإذا هو انفجر فسيحرق أعداء الحق فيبيدهم فلا يُبقى لهم أثرا.
لقد رأينا من هؤلاء الطلاب ، الذين نخشى عليهم النسيم أن يؤذيهم ، أسوداً يفتحون صدورهم للرصاص ويصيحون بخصومهم: أقتلونا ، فعلى أجسادنا سيبنى استقلال سوريا!
أما بعد، فهذا يوم العمل .هذا يوم يقف فيه الشعبُ بحقه وخصمه بباطله ليتنازعا ، وقد تنازعا ، ولكن الحق هو الله ، والله أكبر.
وإذا أتَونا بالصفوف كثيرةً جئنا بِصفٍّ واحدٍ لن يُكسرا
ذلك هو صف أبناء الوطن، صف يدعمه الحق، صف يؤيده الإخلاص،صف لا يهاب الموت في سبيل الله والوطن! ألا اعدوا ما شئتم من قوة، من رصاص ومدافع، من رشاشات ودبابات، فسنعُد صدوراً تخفق فيها قلوب تفيض بالإيمان، وتتفجر بالوطنية، وترغب في التضحية، وسنفتحها لكم.
لا قوة إلا قوة الحق،ولا مجد إلا مجد التضحية، وسيأتي يوم تزول فيه القوة وتدول فيه الدولة الظالمة، ولا يتبقى إلا الحق. فجاهدي يا دمشق،وهاهم رجالك يجاهدون معك ويعرضون أنفسهم للموت دونك، وهاهم أبناؤك الطلاب يحمونك بأرواحهم، وهاهي تلك الأرواح الطاهرة ،أرواح الشهداء، تخطب من السماء خطبة الوطنية والإخلاص.إن هذه الدماء دفعة جديدة من ثمن الاستقلال،إنها أريقت لغسل صفحة الذل التي خطها عليها الأقوياء! والله معك، والله أكبر.
أيها الشهداء، هذه الجنة قد أعدت لكم فأدخلوها آمنين. إننا لن ننساكم أبداً.إنكم خالدون لم تموتوا، وياليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيماً.ويا أخوان الشهداء وأهليهم ، إنكم إن خسرتم إخوانكم وذويكم فقد ربحتم شرف التضحية، قد كسبتم حمد التاريخ، قد بؤتم بثواب الله... وكلنا إخوانكم وذووكم.إننا تجمعنا الآلام وتوحد بيننا الضحايا.ألا فلنهتف جميعاً:لا قوة إلا قوة الحق،ولا مجد إلا مجد التضحية، وعلى الشهداء السلام.
عيد جريس
eidjrais@yahoo.com