×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

نقد الفعل ونقد العقل

ذكر فهمي جدعان في كتابه «الطريق إلى المستقبل» أننا لم نعد في حاجة إلى نقد العقل العربي، بل إلى نقد الفعل العربي؛ إذ أن الشعار الذي صار يدمغ كل عربي هو أنه يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول؛ بمعنى أن القول في واد والفعل في واد آخر. وهذا في رأيي موجود لدى كل المجتمعات المنغلقة والمستبدة، وليس العرب وحدهم. وكان جدعان قد انتقد هذا التركيز المبالغ فيه على العقل، معتبراً أن الإنسان العربي مدفوع في أغلب نشاطاته وتصوراته إلى مكونات أخرى غير العقل، كالعاطفة والانتماء والخرافة ونحوها.
مما لا شك فيه أن نقد الفعل (العربي) بات أمراً ملحا، ومن الضروري التشديد على مطابقة القول للواقع وانطلاقه منه؛ نقدا وتحليلا وتخطيطا. إلا أن ما كان يقصده جدعان بنقد الفعل لم يكن سوى إعادة بناء لنمط من الكتابة السياسية والأيديولوجية التي تتكفل بنقد الممارسات السياسية والاجتماعية اليومية، بل إنه نمط معروف وراسخ منذ ماركس وغرامشي وغيرهما من المفكرين الحزبيين؛ أي الذين ينتمون لأحزاب أو طبقات معينة ويرمون إلى التعبير عنها والتنظير لها انطلاقا من واقعها التاريخي. ويمكن القول إن فلاسفة التنوير الفرنسي كانوا من هذا النمط؛ أي أنهم انصرفوا إلى نقد الفعل، في الوقت الذي اقتصر فيه الفلاسفة الألمان على نقد العقل. وهذا واضح من مقارنة كتب الفيلسوف الألماني كانط الذي دشن مشروع «نقد العقل» مع كتب الفرنسيين؛ فولتير وروسو والموسوعيين. ومن أجل هذا فإن أغلب المؤرخين لا يعتبرون مفكري التنوير الفرنسي فلاسفة يعتد بهم، إلا أن المحقق ــ تاريخيا ــ هو أنهم كانوا أكثر تأثيراً في واقعهم ومجتمعهم من فلاسفة ألمانيا الميتافيزيقيين، بل إن ثمة من يجعلهم المسؤولين المباشرين عن اشتعال الثورة الفرنسية التي أحدثت نقلة جذرية في التاريخ الأوروبي والعالمي. على أننا يجب أن نتنبه إلى أن التنوير الفرنسي كان مسبوقا بحركة عريضة في نقد العقل والتصورات الفكرية السائدة استمرت قرنين من الزمان تقريبا.
واضح ــ عربياً ــ أن نقد العقل لم يؤد إلى نتائجه المرجوة، على الأقل حسب رؤية جدعان المتعجلة، ولكن هل سيؤدي نقد الفعل إلى تغيير اجتماعي، خصوصا وأنه ــ كما أسلفنا ــ نقد سياسي وأيديولوجي؟ لا يخفى عليكم أن نقد الفعل بهذا المعنى كان قائما منذ زمن بعيد في الثقافة العربية الحديثة مع رفاعة الطهطاوي الذي لم يمس العقل العربي أو الإسلامي في الصميم بل تناول السلوك والفعل في المجتمعات العربية وفي مصر، كما أن في أدبيات عصر النهضة العربية كماً هائلا من هذا النوع من الكتابة والنقد، وإن لم يكن نقداً بالمعنى الفلسفي المأمول. وهل كتب الكواكبي وقاسم أمين وطه حسين وغيرهم إلا مشروع متواصل في نقد الفعل؟ وأكاد أجزم أن تيار نقد العقل العربي كان ردة فعل على التوجه المبالغ فيه إلى نقد الفعل والسلوك وإهمال العقل الذي هو الأساس الجوهري لكل هذه الأنشطة، بل إن هناك نوعا من نقد الفعل غير مسيس وغير أيديولوجي، على الأقل في ظاهره، وهو النقد الذي باشره التيار العلمي والنفعي الذي رأى أن في سيادة التفكير العلمي والتكنولوجي تحريراً لليد قبل العقل، بل إنه أهمل نقد العقل تقريبا؛ لأنه منصرف إلى استقطاب النظريات العلمية وتطبيقها عشوائيا على الواقع العربي. فهذا زكي نجيب محمود يبشر بالوضعية المنطقية في أول أمره، ثم بالبراجماتية في آخره. فالصناعة والتقنية هما الأساس لحل مشكلات الشعوب. والبراجماتية ــ كما نعرف ــ هي من أوائل الفلسفات التي جعلت صحة الأفكار العقلية مستمدة من الفعل؛ أي من النتائج العملية التي يمكن لهذه الأفكار أن تحققها لنا، فإذا أدت الفكرة إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع وإلا فإنها عديمة الجدوى.

( شايع الوقيان )
بواسطة : admin
 0  0  34179

الأكثر قراءة

سمير المقرن الحادثة التي نشرتها جريدة «اليوم» بداية هذا الأسبوع...

03-17-2010 06:11 الأربعاء

لأول مره التعبير عن التعبير عوض الأحمري منذ أن حملت مع أبناء...

06-28-2010 06:05 الإثنين

نشرت صحيفة «الغد» الأردنية في عددها الصادر يوم 21/2/2010 الإعلان...

03-13-2010 06:52 السبت

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية مسفر القحطاني...

06-26-2010 10:30 السبت

ترقبوا ؟؟؟ نورة الاحمري لقد كان من كم يوم هدية من خادم...

09-05-2010 11:10 الأحد

لعنة000الكرسي !البعض يعتقد انه الأمر الناهي منذ أن يتسلم مسؤولية...

09-02-2010 11:38 الخميس

محتويات

التربية بالسكاكين

التربية بالسكاكين

سمير المقرن الحادثة التي نشرتها جريدة «اليوم» بداية هذا الأسبوع عن تعرض طالب لم يتجاوز عمره إثني عشر عاماً..

03-17-2010 06:11 الأربعاء   90954
لاول مره التعبير عن التعبير

لاول مره التعبير عن التعبير

لأول مره التعبير عن التعبير عوض الأحمري منذ أن حملت مع أبناء هذا الوطن حقيبة المدرسة وأنا أتلقى و أتلقن مواضيع..

06-28-2010 06:05 الإثنين   98581
وظيفة سعودية في صحيفة أردنية

وظيفة سعودية في صحيفة أردنية

نشرت صحيفة «الغد» الأردنية في عددها الصادر يوم 21/2/2010 الإعلان التالي: «فرصة عمل في المملكة العربية السعودية، مطلوب..

03-13-2010 06:52 السبت   89128
المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية مسفر القحطاني دخلت في الآونة الأخيرة عملية إجراء المقابلات الشخصية..

06-26-2010 10:30 السبت   91446

جديد الفيديو