راجعنا على الفيس بوك
رغم أن عدد المسؤولين والمؤسسات الحكومية التي توجهت للاستماع إلى شكوى المواطن عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يزال رقما متواضعا جدا، وتكفي يد واحدة لحسابه، إلا أنه يبشر بخير خاصة إذا ما قارناه بعدد من يستمع إليه أصلا بالطرق التقليدية المتوافرة: من على كرسي مكتب أو مربع صحيفة. هناك من لا يريد أن يستمع إليه، وإن كان جهد ذلك أقل بكثير من جهد تحريك أصبع السبابة. هي قناعة ولا أحد يملك تغييرها.
يفرح المواطن حين تفتح أمامه الأبواب ليتحدث ويشتكي، وينتشي أكثر حين يتفاعل معه المسؤول ويستجيب إليه في وقت قياسي. والسطر السابق يجزم الكثير أن لا غبار عليه، ولكن تبدأ الغبار، التي تستثير الغضب، حين توصد الأبواب وتقفل حتى النوافذ أمام كل شكوى واحتاج لمواطن يريد أن يقول فلا يسمع له.
ومن أجل التهرب والإعراض عن تظلم واحتجاج المواطنين، بات كثير من (إياهم بالأعلى)، يجيد ابتكار الطرق وصناعتها لمواكبة تطور الحال وتقدم التقنية التي جعلت المواطن قادرا على غزو المسؤول في عقر مكتبه، وبأقل جهد.
ففي حين يعد الهاتف، الذي تملك منه كثير من الإدارات ألف واحد، أسهل طرق التواصل بين الطرفين، إلا أنه تحول بقدرة قادر إلى أسهل طرق التهرب والمماطلة. حتى صار الرد الافتراض في وجه من يريد أن يطلب تواصل مع مسؤول ليشتكي إليه : «خذ رقم هاتف مكتبه واتصل به»، وكلكم تعرفون أن أغلب هذه الهواتف صارت صماء منذ زمن، وتحويلاتها لا وجود لها أصلا.
تطور الحال وابتكر البعض حيلة (البريد الإلكتروني) للتهرب: يوهم مراجعي إدارته بأنه بات متحضرا وأنه لن يسمع أو يرد إلا عن طريق (إيميل). وتمضي بعدها آلاف الرسائل ويفيض بها بريد سعادته ولا أثر لحضارة أو سماع ورد.
صدقوني، نحن نستغل كل ما استجد من تقنية لنشبع نزواتنا باختلافها، وليغني بها كل على مراده وليلاه. لذلك لن يستغرب أحد أن تنتشر في بعض الإدارات الحكومية ــ ومن اليوم ــ موضة جديدة بلوحات مكتوب عليها (راجعنا على الفيس بوك)، طالما أن وسيلة تواصل كهذه يمكن استغلالها في الحد من أعداد الواقفين على أبواب (إياهم) ممن يكرهون أن يجلس مواطن على الكرسي المقابل لهم ويتحدث معهم. هذه أسهل طريقة للفكاك منه. هذه التقنية حين تستغل بأبشع الأفكار.
محمد الصالحي