أصول الخوارج
أصول الخوارج
التكفير أمر خطير ومزلة قدم ، فليس لأحد أن يكفر أحداً إلا بأمر موجب للتكفير مما دلت عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وقد عدَّ ابن حجر الهيتمي تكفير المسلم من الكبائر فقال: ( الكبيرة الثانية والثالثة والخمسون بعد الثلاثمائة : قول إنسان لمسلم يا كافر أو يا عدو الله حيث لم يكفره به بأن لم يرد به تسمية الإسلام كفرا وإنما أراد مجرد السب ) في جملة حديث ( ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه ) أي رجع عليه ما قاله وفي رواية لهما ( من رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ) والأصل بقاء المسلم على إسلامه حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال( من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته) ويجب قبل تكفير أي مسلم النظر والتّفحص فيما صدر منه من قول أو فعل ، فليس كل قول أو فعل فاسد يعتبر مكفرا. ويجب كذلك على النّاس اجتناب هذا الأمر والفرار منه لما يترتب عليه من خطر عظيم ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ( إذا قال الرّجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما ، فإن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه ) وعن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول
( من دعا رجلاً بالكفر ، أو قال عدوّ اللّه ، وليس كذلك إلا حار عليه ) وبالرغم من ذلك فقد تساهل بعض الناس اليوم فأصبحوا يُكَفِّرون بأدنى الأمور.
متى ظهر التكفير:
ظهر التكفير مع ظهور الخوارج في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقد وصفوه - عليهم لعنة الله - بالكفر ، واستباحوا قتاله ، واستحلوا دمه ، وذلك بعد قصة التحكيم. قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله
( وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب بل بما يرونه هم من الذنوب واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك فكانوا كما نعتهم النبي صلى الله عليه وسلم ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) وكفَّروا علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ومن والاهما وقتلوا علي بن أبي طالب مستحلين لقتله ، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي منهم، وكان هو وغيره من الخوارج مجتهدين في العبادة ، لكن كانوا جهالاً فارقوا السنة والجماعة فقال هؤلاء: ما الناس إلا مؤمن أو كافر ، والمؤمن من فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات فمن لم يكن كذلك فهو كافر مخلد في النار ثم جعلوا كل من خالف قولهم كذلك فقالوا إن عثمان وعلياً ونحوهما حكموا بغير ما انزل الله ، وظلموا فصاروا كفاراً ) وقال ابن كثير رحمه الله : ( لما بعث علي أبا موسى ومن معه من الجيش إلى دومة الجندل اشتد أمر الخوارج وبالغوا في النكير على عليّ وصرحوا بكفره ، فجاء إليه رجلان منهم، وهما زرعة بن البرج الطائي، وحرقوص بن زهير السعدي فقالا: لا حكم إلا لله، فقال علي: لا حكم إلا لله، فقال له حرقوص: تب من خطيئتك واذهب بنا إلى عدونا حتى نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال علي: قد أردتكم على ذلك فأبيتم، وقد كتبنا بيننا وبين القوم عهوداً وقد قال الله تعالى( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ) فقال له حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه، فقال علي: ما هو بذنب ولكنه عجز من الرأي ، وقد تقدمت إليكم فيما كان منه ونهيتكم عنه فقال له زرعة بن البرج: أما والله يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله لأقاتلنك أطلب بذلك رحمة الله ورضوانه، فقال علي: تباً لك ما أشقاك كأني بك قتيلاً تسفي عليك الريح، فقال: وددت أن قد كان ذلك، فقال له علي: إنك لو كنت محقاً كان في الموت تعزية عن الدنيا، ولكن الشيطان قد استهواكم ) وما أشبه اليوم بالأمس فقد ظهرت فلول الخوارج في هذا الزمان ، وكفروا ولاة الأمر، والعلماء ، ورجال الأمن ، وكل من خالفهم ، واستباحوا دماءهم وأموالهم، وساروا على نهج أسلافهم السابقين حذو القذة بالقذة.
أصول الخوارج الأولين ومنهجهم وسماتهم العامة:
الدارس لحال الخوارج الأولين يخلص في:تقرير منهجهم وأصولهم وسماتهم العامة إلى الأصول والسمات التالية:
1 - التكفير بالمعاصي (الكبائر) وإلحاق أهلها (المسلمين) بالكفار في الأحكام والدار والمعاملة والقتال.
2 - الخروج على أئمة المسلمين اعتقاداً وعملاً- غالباً- أو أحدهما أحياناً.
3- الخروج على جماعة المسلمين ومعاملتهم معاملة الكفار في الدار والأحكام، والبراء منهم وامتحانهم، واستحلال دمائهم.
4- صرف نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى منازعة الأئمة والخروج عليهم، وقتال المخالفين.
5 - كثرة القراء الجهلة فيهم والأعراب، وأغلبهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام).
6 - ظهور سيما الصالحين عليهم، وكثرة العبادة كالصلاة والصيام، وأثر السجود، وتشمير الثياب، مسهمة وجوههم من السهر ويكثر فيهم الورع - على غير فقه - والصدق والزهد، مع التشدد والتنطع في الدين كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( تحقرون صلاتكم عند صلاتهم...).
7 - ضعف الفقه في الدين وقلة الحصيلة من العلم الشرعي، كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ).
8 - ليس فيهم من الصحابة ولا الأئمة والعلماء وأهل الفقه في الدين أحد، كما قال ابن عباس:
( وليس فيكم منهم أحد ) يعني الصحابة.
9 - الغرور والتعالي على العلماء، حتى زعموا أنهم أعلم من علي وابن عباس وسائر الصحابة، والتفوا على الأحداث الصغار والجهلة قليلي العلم من رؤوسهم.
10 - الخلل في منهج الاستدلال ؛حيث أخذوا بآيات الوعيد وتركوا آيات الوعد ، واستدلوا بالآيات الواردة في الكفار وجعلوها في المخالفين لهم من المسلمين ، كما قال فيهم ابن عمر رضي الله عنهما: (انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين).
11 - الجهل بالسنة واقتصارهم على الاستدلال بالقرآن غالباً.
12 - سرعة التقلب واختلاف الرأي وتغييره ( عواطف بلا علم ولا فقه ) ، لذلك يكثر تنازعهم وافتراقهم في ما بينهم ، وإذا اختلفوا تفاصلوا وتقاتلوا.
13 - التعجل في إطلاق الأحكام والمواقف من المخالفين ( سرعة إطلاق الحكم على المخالف بلا تثبت ).
14 - الحكم على القلوب واتهامها، ومنه الحكم باللوازم والظنون. 1
15- القوة والخشونة والجلد والجفاء والغلظة في الأحكام والتعامل وفي القتال والجدال.
16 - قصر النظر وضيق العَطَن وقلة الصبر ، واستعجال النتائج.
17 - يقتلون أهل الإسلام ويخاصمونهم ، ويَدَعُون أهل الأوثان كما جاء وصفهم في الحديث.
كتبه / مجلي بن عبدالرحمن المجلي