كــتــب الأطـــفـــال
هاتفني أكثر من مرة لدرجة الإزعاج .. كان يريد رأيي فيما ثرثر به في كل مجلس وصفحة وموقع ، سـألته صادقا بعد أن تقابلنا ماذا تريد ؟؟ قال : هذه خلاصة مواضيع فكرية كتبتها على مدى عدة سنوات ولم أزل في النت أكتب ، وقد تدرجت [ قلت له بل تدحرجت ] بهذه الكتابات من كاتب عادي إلى فضي وأخيرا كاتب ذهبي في ذلك الموقع بالذات \" فيما هو كاتب نحاسي أصفر اختلط عليه اللون لأن لديه عمى ألوان وصمم \" وكاتب محبوب في مواقع أخرى .. سألته وماذا بعد ؟ قال أريد رأيك فيها وأن تكتب لي مقدمة لطبعها في كتاب .. قلت له بعد أن تصفحتها سريعا قبل أن تعرف رأيي من هو المجيز لهذه الموضوعات .. قال لا أعلم .. قلت له : لابد أن تعلم ، من الذي أجاز نشر هذه الموضوعات ، و رفعك أو رفّعك هذه الدرجات التي قلتها حتى أصبحت ذهبيا وأنت في الواقع وعاء كل ما فيه ومنه مجرد صوت مزعج .. قال هم الزملاء المسئولين في هذه المواقع .. قلت له : هل هم إعلاميون ، من خريجي أقسام الإعلام أو صحفيون عملوا في الصحف الورقية أو الصحف النتّية ؟ [ أم هم مجرد زملاء لك و قراء لا قيمة لآرائهم ] ، إذا لم يكونوا كذلك ، فإنهم غير مؤهلين لمنحك أي درجة تصنيفية حتى مجرد كلمة قارئ ليست من حقهم ، فقط من حقهم أن يقولوا عنك متابع ، فما بالك بما حصلت عليه من ألقاب .. أنت وهم تتساوون في الجرم .. هم أعطوك ما جهلوا قيمته وما سطوا عليه من ألقاب وأنت حملتها زورا .. كلكم شركاء في الجريمة .. أنا لن أكون شريكا لكم .. إن رأيي إذا كان في صالحك وأجزت ثرثرتك السامجة هذه تدخلني معكم في الجرم ، ولكن اسمع أيها الرجل .. لدى اقتراح جميل ومناسب لك ويشجعني على إجازة اسمك الذهبي ، وكتابتك الذهبية كما تقول .. قال بلهفة ــ وإن كانت قد بدت ملامح الامتعاض على وجهه ــ : ما هو هذا الاقتراح ؟ .. قلت له خذ أجمل موضوعين من كتاباتك التي تريد إجازتها لك وتقديم كتابك بها ، وأرسلها إلى صحيفة \".........\" وذكرت له اسم أحد الصحف الإلكترونية التي تجيز المقالات على مستوى العالم العربي عبر نخبة ثقافية من الكتاب ، على أن تطلب ملاحظاتهم عليهما للنشر .. وعلى ضوء تلك الإجابة المتخصصة ستعرف مكانك وقيمة حروفك .. خرج مغاضبا لي ويبدو أنه آخذ بالفكرة لجهله بمغزاها الذي عنيته ، وبعد أسابيع قابلته وسمعت منه ما لم يقله مالك في الخمر في تلك الصحيفة وفى لجنتها الفكرية ولم اسلم منه أنا أيضا ولكن مع شيء من المجاملة خوفا من فضحه وسوف أفعل إن صدر ذلك الكتاب المسخ فلدي صورة منه ، وهذا هو ديدن كتّـاب النت وقد أكون منهم من يدري , لكنهم على الأقل عندي جلهم هكذا .. ينقلون .. يكتبون .. ولا يفهمون .. قلت له بعد أن هدأ من ثورته إنك تستطيع أن تكتب وتطبع كل الكلام وأي كلام لأننا في زمن الأفكار فيه متدنية لدرجة تقترب من الحضيض .. وقارنوا بين كتابي { لا تحزن و أشراط الساعة } للقديرين القرني و العريفي وبين بعض الكتب في السوق ومن يحتفي بها وبين ما أقوله لكم هنا .. لا وجه للمقارنة وكذلك الكتابة وبعض الكتّــاب في النت والصحف الالكترونية , وهذا الذهبي هو نموذجها الحي الذي يعيش بيننا عفوا يكتب بيننا ومثله كثير لدرجة أن منهم من يرى نفسه كاتب الأمة وكل ما كتب إما تجميع أو أفكار عامة عقيمة الفحوى أو مواضيع منقولة ، أو مواضيع عفا عليها الزمن .. والخلاصة أنه ما لم يكن ما يقدمه المرْء فكرا متجددا أو أسلوبا شيقا جذابا أو معالجة متبصرة لقضايا حيوية بأفكار و طرق جذابة يحترم فيها المجتمع ومشاعره ودرجة نضجه الفكري وشخوصه وأدبه الإنساني فليعلم أنه مجرد قارئ تطفل على الأدب والكتابة وهو بما يكتب يشبه ما يخطه الأطفال على الشاطئ و ما يبنونه من قصور رملية خلال نزهتهم على البحرية فهي سريعة الاندثار حتى وإن صدرت في كتب فليس لها قيمة ، إنها كتابات تشبه الخداج جسد بلا روح .. والكتابة الساذجة هي عنوان هذا الزمن .. ففي الماضي القريب كنا ننتظر عد ة سنوات لصدور الكتاب ومن قيمته الفكرية نمكث في قراءته سنوات ولا نمل ، ثم نعود له مرة ومرة للاستزادة الثقافية فكرا و أسلوبا وشمولية ومضمونا , أما اليوم فإن السذّج يصدرون الكتب بعد الخروج من المدرسة ظهراً لهوان أفكارهم وهوان كتبهم وكتاباتهم و أصبحنا نصدر صباح اليوم كتابا ونرميه مساء الغد لأنه كما يقول المثل { حشف وسوء كيل { .
أ/ محمد بن علي آل كدم القحطاني