الوطنية المزيفة
تعيش بعض البلدان الإسلامية هذه الأيام فتناً ومصائب ومحناً وقلاقل ، وقد اندلعت هذه الاضطرابات والتغيرات خلال الأشهر القليلة السالفة ، وخلال هذه الفترة الوجيزة أعزّ الله أقواماً وأذلّ آخرين ، وفضح أقواماً تخفي صدورهم ما يعلنون ، فكشف سترهم وبيّن خبث مقصدهم ، وسارت هذه الاضطرابات لتدك دولة بعد أخرى ، وأراد دعاة الفتنة والسوء أن يذيقوا بلادنا بلاد التوحيد حرسها الله الويلات والشرور في التفرق والانقلاب والتشتت والخراب ، لكن الله عز وجل - لطف بنا وسلّم ، فصارت خططهم إلى البوار ، وزادت ولله الحمد اللحمة لحمة ، وتماسك الراعي والرعية صفاً واحداً ضد دعاة الفتنة ، ردّ الله كيدهم وكفانا شرهم .
وفي هذا الوقت الذي مرّت فيه بلادنا بمنعطف خطير برز المؤمنون حقاً ، والمحبون لهذا الوطن الكريم ، وتخفى أناس طالما دندنوا بالوطنية وأنهم حماتها والذابون عن حياضها .
نعم .. ليس كلّ من ادّعى الوطنية في وقت الرخاء وصدّر بها أقواله وكتاباته أنه متمسك بها في وقت الفتنة والشدة ، كلّا في زمن الفتن والمحن يتبين المؤمن من المنافق و الصادق من الكاذب وصاحب الوطنية الحقة من الوطنية المزيفة ، فتنكشف الأستار ليميز الله الخبيث من الطيب .
أيها القارئ : قد يتبادر إلى ذهنك وأنت تقرأ هذه الكلمات أنني أقصد الرافضة عليهم من الله ما يستحقون كلّا ، فالرافضة ولاؤهم واضح للجميع ولا أظن أنه يخفى على أحد عنده قلة من العقل والفهم ، فأحداث البحرين شاهدة على ذلك ، وقبلها أحداث البقيع وهي ليست عنّا ببعيد . الذي أقصد أنهم أصحاب الوطنية المزيفة هم أولئك الذي يدّعون في كتاباتهم الصحفية وبرامجهم المتلفزة أنهم حريصون على الوطن ومقدراته ، ويسعون إلى إصلاحه والرقي به وبشعبه .. أين هؤلاء من دعاة الفتنة ؟ لم نرَ سهام أقلامهم صُوّبت إليهم ، ولم يقفوا مع ولاة الأمر و العلماء والمحتسبين والمفكرين والشعب بأكمله في الذود عن الوطن وجمع كلمته وكشف عَوار مطالب أعداء البلاد ، وحتى أكون منصفاً فيما أكتب قرأنا مقالات قليلة جداً أشارت باستحياء إلى المظاهرات وما يريده مثيروها ، وفي هذا الوقت الذي يناشد فيه العلماء وطلبة العلم عبر بياناتهم وفتاواهم بلمّ الشمل وعدم الفرقة وحرمة المظاهرات والخروج على ولي الأمر ، نجد سهام كثير من الكتّاب تصوّب سهامها إلى معرض الكتاب الدولي منافحة عن بيع كتب الكفر والزندقة والخلاعة والمجون ؛ بحجة الحرية والانفتاح على الثقافات الأخرى ، متناسية أن هذه الكتب تسب الذات الإلهية ، وتقدح في التوحيد ، وتدعو إلى الانحلال من الإسلام وأخلاقه ، ولا أقول ذلك مبالغة بل هذا هو الواقع المرّ ، وإذا تهاونا في هذا الأمر فأيّ إسلام ندعي ؟ ولم يقف الأمر على هذا فحسب ، فمن احتسب على هذه المنكرات وخطرها ومخالفتها لشرع الله المطهر ونظام البلاد لم يسلم من ألسنتهم الحداد وعباراتهم السيئة ووصفهم بالتشدد والانغلاق !!
أهذه الوطنية التي تزعمون ؟ ولاة أمرنا وعلماؤنا وأفراد شعبنا في وادٍ وأنتم في وادٍ آخر ، همكم شهواتكم ورغبات أنفسكم والحرية المنسلخة من حدود الشرع . آه آه من أناسٍ باعوا دينهم ووطنيتهم بشهواتهم وأهوائهم يقول المولى عز وجل : ( فمن أظلم ممن اتخذ إله هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وبصره وجعل على قلبه غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) .
كتبه
فهد بن عبدالله الخنين
18 / 4 / 1432هـ