توحيد أسمائنا بالإنجليزية
تخيَّل أنك تقف أمام 30 طالباً عربياً في أحد الفصول الدراسية، وطلبتَ منهم كتابة اسم «محمد» بالحروف اللاتينية (حروف اللغة الإنجليزية)، فستكون النتيجة التي تحصل عليها هي كتابة الاسم بثلاثين طريقة هجائية مختلفة، فأحد الطلاب سيضيف حرف u أو ربما o بعد حرف m الأول، والآخر سيُثنِّي حرف m الأوسط وزميله سيُفرِده، وقد يُنهي أحدهم الاسم بـ ed ، وغيره سيُنهيه بـ ad. ولن تنتهي الإبداعات في هذا المجال، إذ لا قاعدة تحكم كتابة الأسماء العربية باللغة الإنجليزية.
وهذا الأمر لا ينطبق على أسماء الناس فحسب، بل على كل الأعلام في لغتنا من أسماء مدن وأحياء ومناطق ومعالم جغرافية، وأشهر مثال على هذا الاختلاف تعدد طرق الكتابة الإنجليزية لاسم «مكة المكرمة»؛ هذه المدينة العالمية الخالدة في قلوب وعقول الملايين من البشر.
الاختلاف في طرق كتابة الأعلام العربية بالإنجليزية لن ينتهي أبداً، وقد يرى البعض أن في الأمر سعة، وهو كذلك، إلا أنني أرى عكس ذلك على المدى الطويل، مع التوسع والانتشار في استخدام اللغة الإنجليزية، واعتمادها في كثير من التطبيقات الرسمية محلياً وعالمياً، وأيضاً مع التداخل المتزايد في الثقافات الأخرى، وتزايد السفر والتنقل بين الدول، خصوصاً تلك غير الناطقة بالعربية.
ويحمل هذا الموضوع كذلك هاجساً أمنياً، فقد تتغير هوية شخص «عربي» بقيامه فقط بتغيير طفيف في الحروف الإنجليزية المُكوِّنة لاسمه أو اسم أسرته، مع بقاء الاسم العربي (الذي لا يستطيع أحد في دولة غير عربية قراءته) كما هو. ربما حلَّت بصمات العين والأصابع هذا الإشكال في التحقق الفعلي من الهوية في الوقت الراهن، ولكن ليس بشكل كامل، فكثير من الدول مازال يعيش في «العصر الورقي». ولتوضيح مدى الإشكال الحاصل، فلنفترض وجود مواطنين سعوديين يحملان الاسم نفسه («سليمان» على سبيل المثال) لدى جهة أجنبية، فكيف نقنع هذه الجهة بأن اسميهما متطابقان وطريقة كتابة كل منهما لاسمه باللغة الإنجليزية تختلف عن الآخر!
إن أسماءنا وأعلامنا هي أبرز ملامح ومكونات ثقافتنا وحضارتنا، وإخفاقنا في إيصال أسمائنا وأعلامنا بشكل موحد وثابت إلى الآخر «الأجنبي»، هو إخفاق غير مبرر وتكاسل مذموم، لاسيما أن المطلوب لا يعدو أكثر من إرادة حقيقية وتنسيق فاعل على المستوى الرسمي.
قد يقول البعض إن توحيد الأسماء غير ممكن الآن، خاصةً أن شهادات الكثيرين (من الجامعات الأجنبية تحديداً) وأوراقهم الرسمية في البنوك والمؤسسات الدولية كافة هي باسم محدد، غالباً ما يكون باللغة الإنجليزية، وأن تغيير طريقة كتابة أسمائهم يتطلب منهم تغيير كل هذه الأوراق والوثائق الرسمية المهمة، وهي مهمة شاقة جداً. وأتفق مع هذا الطرح، ففي فعل ذلك تعقيد لحياة الكثيرين. ولكن دعونا من الماضي، ولنفكر في المستقبل. دعونا نبدأ بالتطبيق على الجيل الجديد.
أول خطوة ينبغي تبنيها هي القيام بعمل معجم كامل (أو قاعدة بيانات) للأسماء العربية باللغة الإنجليزية، يُعد مرجعاً لكل من يريد تسمية ابنه وتسجيله رسمياً، أو معرفة الطريقة الصحيحة لكتابة الاسم بالحروف اللاتينية. وكذلك معجم كامل لأسماء المعالم الجغرافية في بلادنا باللغة الإنجليزية، من مدن وأحياء ومناطق ومحافظات وتضاريس وغير ذلك. وبعد ذلك يتم إتاحة هذه المعاجم للناس عبر نشرها في مواقع إلكترونية مفهرسة مفتوحة للجميع.
أتمنى أن يضطلع «مركز المعلومات الوطني»، أو «الإدارة العامة للأحوال المدنية»، أو أية جهة أخرى مرتبطة بوزارة الداخلية، بتبني وتنفيذ هذا الأمر، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية المتخصصة في اللغويات والألسن، ففي ذلك سبق توثيقي سيُسجَّل لمؤسساتنا على مستوى العالم العربي والإسلامي، وستصبح المرجع الأول فيه. وستكون النتيجة توحيداً أكثر في الأسماء، وحداً واضحاً من الاختلاف في كتابة أسمائنا باللغة الإنجليزية، وما ينتج عنه من إشكالات في شتى المجالات.
خالد السالم ( اليوم )