الدعوة للمظاهرات والمشاركة فيها
عبدالله بن محمد العسكر
1/4/1432هـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
يكثر الحديث هذه الأيام وفي بلادنا خاصة عن حكم المظاهرات والمشاركة فيها ، وقد أرسل إلي كثير من الإخوة عبر بريد هذه الصفحة أو بريدي الشخصي أو الجوال يريدون استبانة الأمر في هذه القضية ، ومع أنني لا أعدُّ نفسي أهلا لثقة الإخوة الذين سألوني ، فالعلماء الأثبات الثقات هم مرجعنا في هذه الأمور إلا أنني سأدلي ببعض الإضاقات اليسيرة والموجزة حول هذا الموضوع المهم لأن السكوت عنه في نظري- نوع من التهرّب غير المحمود .
فأقول : إن المظاهرات التي نشاهدها اليوم تعدُّ من الأمور الحادثة التي لم تكن معروفة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم ولا قرون الإسلام السالفة ، ولهذا وبإيجاز شديد فأحسن ما يقال في حكم المظاهرات أنها من المسكوت عنه ، فلا يصح إطلاق الحكم بالمنع أو الإباحة ، وإنما الأمر على حسب الظروف والملابسات . فإن كانت خالية من المحاذير الشرعية كإفساد الممتلكات وتضييع الصلوات والاختلاط بين الرجال والنساء أو كانت ترفع فيها شعارات جاهلية تدعو لسيادة حكم الشعب بإطلاق ولو خالف نصوص الوحيين ، أو كانت مدعاة لحصول الفرقة والمشاجرات بين أبناء الوطن الواحد فكل هذه المحاذير وما شابهها تكون سببا في القول بالمنع .
أما إن خلت من تلك المحاذير فهي مجرد تعبير عن الرأي بصوت مسموع ، وهذا أمر ليس فيه ما يمنع شرعاً .
يبقى بعد ذلك الأمر في تقدير المصالح والمفاسد ، فلا يصلح كذلك أن نجعل الحكم عاما في كل البلاد ، فما جاز في تلك البلاد قد يكون ممنوعا في غيرها ، فالبلدان تختلف من حيث طبيعتها وظروفها وتركيبتها السكانية .
والذي يقدر تلك المصالح والمفاسد هم أهل العلم الثقات العارفين بأحوال الناس وظروف المرحلة . ولا ينبغي أن تُأوَّل مواقفُ مَن عُرِف بصدقه وإخلاصه وغيرته من أهل العلم بأنه مداهن أو صاحب هوى !! فتاريخه يشهد بمواقفه المشرفة وأقواله الصادقة في نصرة الحق وأهله .
وبناء على ذلك فإن الذي يستقرئ واقع المملكة يرى أن الدعوة للمظاهرات وتشجيعها تحتاج إلى تأنٍّ وطول تفكير ، فالذي يعرف طبيعة هذه البلاد يدرك أن هناك بعض المغرضين من أهل الفرق الضالة الذين أبانت هذه الأحداث وما سبقها من أحداثٍ أن ولاءهم ليس لنا !! بل هو لتلك البلاد التي حاربت أهل السنة في عقيدتهم ونبيهم وزوجاته وأصحابه الطاهرين - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - . ويرى هؤلاء أنهم إنما يدينون بذلك عقيدة وقربة يتقربون بها إلى الله !!
ومثل هؤلاء يتربصون بهذه البلاد وأهلها الدوائر ، ويتحينون هذه الفرص لتحقيق مآربهم الخبيثة ، فلا ينبغي لنا أن ننجرف مع كل ناعق ، فأمن هذه البلاد مسؤولية الجميع ووجود الظلم ليس مبررا للإفساد في البلاد وإيذاء العباد .
إذا عُلم ذلك فليعلم أيضاً أننا لا نقرّ الظلم وهضم الحقوق لأي فرد من أفراد الشعب حتى ولو خالفنا في المعتقد ، فالله أمرنا بالعدل في كل شؤوننا ، مع من أحببنا ومن لم نحب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .
والواجب على المسؤولين في هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين أن يتقوا الله في شعوبهم وأن يرفعوا الظلم عنهم ، وأن يحكموا فيهم شريعة الله ، وأن يغدقوا عليهم من الخير الذي جعله الله في بلدانهم ، وعليهم كذلك أن يأخذوا على يد كل من حاول خرق السفينة بإشاعة الفساد والدعوة إليه ، أو كان ممن ينتهب خيرات البلاد ويسرق من المال العام ولا حسيب عليه ولا رقيب!!
إن العدل هو أساس الأمن والحفاظ على الدولة ، ومتى اختلَّت هذه القيمة حصلت الفوضى وانتشر الفقر وكثر التسخط من الناس ، وكل هذه أمور لا تحمد عواقبها ولا تُدرَى نهاياتها .
فلنستبق الأحداث إذاً ولنسع إلى الإصلاح بالأسلوب الشرعي ولنكن على مستوى الحدث ولا ننس في مقابل ذلك أن الحفاظ على اجتماع الكلمة وتآلف القلوب هو من أهم المهمات التي لا يجوز بأي حال من الأحال أن نغفل عنها في خضم هذه الفتن والأحداث المتلاحقة .
أسأل الله أن يبرم لهذه الأمة أمرا رشدا ، يُعزُّ فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقال فيه كلمة الحق لا يخشى قائلها في الله لومة لائم .
والحمد لله رب العالمين .