إلى أين وصل الجفاء
لم يجد حلا سوى بيع طفليه ب155دولارحتى يتمكن من إكمال رحلته عبر البلاد التي خطط سلفا لزيارتها ,لم يضع في اعتباره مدى أهمية فلذاته واختياره تمويل رحلاته عن الاحتفاظ بجزء منه ,هانت مشاعر الأبوة عليه,بل مسح دموع حرمان طفليه بنعليه,حتى أنه لم يقدر ثمنهما ومعزتهما لديه,بل باعهما بأبخس الأثمان,لم يستوعب واجباته تجاه أبناءه...لم يدرك حقوقهم عليه,بل اكتفى بحقوقه عليهم ودلك ببيعهم بأرخص الأثمان,لم يهتم بمدى الشتات والجفاء اللذان سيعانون منها ,بل لم يهتم سوى بإشباع رغباته وطموحاته,بما أن قدوتهم فعل دلك بهم فمادا تتوقع أن يفعلوا هم بأولادهم عندما يكبروا..بالتأكيد سيرثون الجفاء والقسوة منه ويورثوها أبنائهم ..بل من المؤكد أن يفرضوا على أبنائهم إن يعيشوا في نفس ظروفهم وهكذا..يتوارثون الشتات والتفكك ممزوجا بالحرمان والأنانية إلى أن يكتمل بقية مجتمع قابل للانهيار يشع بأجيال ناقصة.
أما في حالة عائلة س فقد قرر الأب بعد ضغطه على زوجته صاحبة الشخصية الضعيفة أن تتخلى عن مولودها الذي أنجبته معاق ذهنيا وجسديا و تهمله بالمستشفى وتنفد بجلدها وتعود إلى منزلها ..وبعد أسبوع من ولادته تضطر المستشفى بالاتصال على والديه وتطالب الأب باستلام ابنه ليرد عليهم قائلا\"آدا أخدته هل تتعهدوا لي عدم سخرية الناس مني..أنا لن أتحمل تربيته مادام لن ينفعنا بشيء بل سيجلب الفضيحة والشقاء ..اتركوه عندكم.\"
اهتم الأخ الفاضل بكلام الناس ووضعه تاجا على رأسه,أعار المتخلفين والسطحيين اهتماما بوجهات نظرهم ومدى ازدرائهم لابنه,إضافة إلى عدم قدرته على رفع رأسه أمام أقاربه وهم يحظون بأبناء سالمين معافيين,هكذا بأنانية قضى على حياة طفل ليس له ذنب في إعاقتهإما تلك الأم الضعيفة فقد استسلمت بسرعة البرق لحلف بعلها و قذفت بمشاعر أمومتها عرض الحائط خوفا من نظرة الناس لها.
لم تعر زوجة الأب أي اهتمام أو رعاية لأبن زوجها ,الذي ليس له ذنب بالخلاف الواقع بين أمه و أبيه الذي انتهى بالتحدي وكسبه للجولة الأولى بأخذه عنده ليس حبا له ولكن عنادا لوالدته,ومن ثم كان داك الطفل المسكين ضحية دلك العناد,فما كان من زوجة الأب الصغيرة سوى تعنيفه وضربه و إهمال نظافته وتركه يتجول في الشارع لإحساسه بأنه دخيل على أسرتها أما ابنها فهو في الحفظ والصون بين ذراعيها.
أما في حالة تلك القاصر التي لم تتم بعد الثامنة عشر من عمرها فقد أقيم لها مراسم الزفاف وولي أمرها لف عناقيد الأنوار حول أسوار منزله,أما زوجته فقد تكفلت بنقش الحناء على كفوفها ,كل دلك تم دون موافقتها على زواجها بمن هو في عمر جدها,تحمل عمها الفاضل تسليمها إلى زوجها ذو السبعين عاما بعدما قبض منه مائة ألف ريال ثمن عمرها ,هكذا استغل ولاية أمره لها بعد وفاة أبيها حسب الطريقة التي يريدها.
يقطن مع أخيه في المنزل نفسه ,يشتركان في المطبخ نفسه,يملكان دورة مياه واحدة,أما غسيلهما فلكل واحد منهما حبل ينشر عليه غسيله,كان المنزل مأوى لهما,تجتمع أجسادهما فيه ولكن قلوبهما متفرقة,يأكلان من الطعام نفسه ولكن يغص احدهما بواحدة من لقيماته,بينما يكمل الآخر مضغاته,يعتكف كل واحد منهما في حجرته,يمارس كل شيء يخصه من أعمال وأشغال في زوايا تلك الغرفة ,يجهلان الكثير عن بعضهما البعض,يهملان المشاركة الوجدانية ويختاران العيش بمفردهما فضلا عن مشاركة مشاعرهما لبعضهما,هدا يخرج وداك يأتي,هدا يجلب طعاما جاهزا و لا يحسب سوى نفسه,بينما يستعد الآخر للسفر دون علمه,مرت السنوات دون علم الأول عن الآخر الكثير عن شخصه إلى أن أحدهما شعر بافتقاده لأخيه الذي يسكن نفس المنزل مند عدة أشهر فما كان منه إلا أن تحركت مشاعر الأخوة لديه فاتصل بالشرطة ليبلغ بفقدانه له,بدأت الشرطة بعمل التحريات اللازمة لمعرفة مكان أخيه,لتكتشف أخيرا انه متوفى في احد حجرات المنزل,وعندما هموا بفتحها اشمئزوا من رائحة جثته وعمدوا إلى إنهاء إجراءات وفاته.
و أخيرا: تعودنا هجر الطيور لأعشاشها معا,ولكن لم نتعود هجر الإنسان لقلبه ومشاعره أبدا.
قبل الأخير: بما أن الله عز وجل اختار لنا العيش أزواجا وجماعات ,فلماذا نختار نحن العيش فرادى.
من احد مواضيع كتابي..عفوا لنرمم دواتنا
نورا الحناكي