أبعد بكثير من بقايا الحجاج
أنا لا أميل إلى ما ذكره الزملاء الكتاب في الصحف السعودية والكويتية بأن الزميل عبدالوهاب العيسى (صاحب سقطة بقايا الحجاج) هو إعلامي تافه وصغير السن لا يعرف ماذا يقول!؛ لأنني تابعت أكثر من مرة برنامجه التلفزيوني على قناة الوطن الكويتية، وأرى أنه إعلامي موهوب يملك قدرات عالية جدا بالنسبة إلى شاب في مطلع العشرينيات، ولكنه من وجهة نظري يحمل ضغينة واضحة تجاه أشقائه السعوديين!، وأنا لا أقول ذلك بناء على عبارة (بقايا الحجاج) التي كتبها في صفحته على موقع تويتر ثم اعتذر عنها في قناة أبو ظبي، بل بناء على ما صدر منه في برنامج تلفزيوني ــ غير برنامجه السياسي ــ حين تهكم على خبر تعيين 30 امرأة سعودية برتبة جندي في قطاع الجوازات بطريقة غير لائقة رغم محاولات زميلته في البرنامج ثنيه عن ذلك!.
وضغينة الزميل عبد الوهاب تعد أمرا غريبا جدا لسببين؛ الأول منهما أنه شقيق خليجي ننتظر منه المحبة لا البغضاء، والثاني أنه ينتمي إلى أسرة كريمة خرجت العديد من علماء الدين والمفكرين والأدباء، إضافة إلى قائمة طويلة من رموز العمل السياسي والاقتصادي والصحافي والخيري في الكويت وعرف عن أبنائها علاقتهم المتميزة والتاريخية بالسعودية وأهلها، فما الذي يمكن أن يدفع إعلاميا موهوبا و(ابن ناس) لاستخدام هذه العبارات الجارحة تجاه اشقائه السعوديين رغم أنه لا يستخدمها إطلاقا في برنامجه السياسي الساخن؟!.
أظن أن أقرب الناس إلى الحقيقة ــ من وجهة نظري الشخصية ــ هم بعض نواب البرلمان الكويتي الذين طالبوا الحكومة بوضع حد لتجاوزات بعض المؤسسات الإعلامية الكويتية بحق المملكة وتحويل هذا الملف لجهاز أمن الدولة وليس وزارة الإعلام!، ليس لأن هؤلاء النواب معادون للحريات الإعلامية؛ بل لأنهم يستشعرون أن هذا الموضوع بالذات له أبعاد سياسية غامضة أكثر من أبعاده الإعلامية!.
وبصراحة أنا أميل باتجاه هذا التفسير رغم أنني لا أحب تضخيم الأمور الصغيرة وأكره نظرية المؤامرة، فثمة مؤشرات توضح أن بعض الأطراف تسعى إلى توتير العلاقات بين الشعوب الخليجية تنفيذا لمخططات بعض القوى الإقليمية في المنطقة، كما أن هناك أطرافا أخرى تسعى لتشتيت الأذهان عن بعض الأزمات السياسية الداخلية عبر أفتعال معارك جماهيرية تافهة مع طرف خارجي، وغالبا ما يكون هذا الطرف هو المملكة العربية السعودية للأسف الشديد!.
سأطرح مثالا آخر لتقريب الصورة.. فنحن السعوديين مستاؤون قبل غيرنا من تأخير رحلات بعض الحجاج الخليجيين والعرب الذين كان مقررا أن يعودوا إلى بلادهم على الخطوط السعودية، ولا نلوم أي صحافي خليجي ينتقد هذا الخطأ البشري، بل إن الصحافيين السعوديين سبقوا الجميع في توجيه الانتقادات للخطوط السعودية ــ وكاتب هذه السطور واحد منهم ــ؛ لأن أقصى أماني السعوديين هي أن يعود ضيوف الرحمن إلى ديارهم وهم راضون تماما عما وجدوه في بلدهم الثاني، وأن لا يتحولوا إلى (بقايا حجاج) في مطار جدة!؛ ولكن التصرف الطبيعي الذي يمكن أن يفعله أي شخص يواجه مشكلة في تأخر رحلات شركة طيران معينة هو أن لا يحجز عليها مرة أخرى.. وانتهينا، ولكن تضخيم هذه القضية إعلاميا ومنحها أبعادا حقوقية وسياسية هو أمر لا يخدم العلاقات الأخوية بين الشعب السعودي والأشقاء الخليجيين، بل يخدم أطرافا أخرى تتحرك بصمت لإحداث شرخ كبير في هذا الرابط الأخوي المتين، وللحديث شجون!.
خلف الحربي