أ. د عبدالله الدخيل .. الخرج : الواقع والمأمول
جامعة الملك سعود ( سابقا )
الخرج وعلى وجه التحديد السيح , فيها ولدت و فيها نشأت و ترعرعت و تعلمت . وهذا أكسبني معرفة بها عميقة , وولدت لدي حبا لها إن لم يكن غراما صبا حتى أضحت علاقتي بها علاقة كما وصفها ابن الرومي بقوله :
" ولي وطن آليت أن لا أبيعه .... وألا ارى غيري له الدهرمالكا " .
ولايخالجني شك بأن من ينشأ و يعيش بالخرج يشرب من مائها و يستظل بظلال أشجارها و يتعلم السباحة في ساقيها و يصاحب أهلها لن ينسيه شيء أو عنها يلهيه . فالسمة البيئية والاجتماعية المميزة للخرج لنا مصدر انجذاب وجذب . فالخرج كإقليم متعدد المدن والقرى والواحات والأرياف . وتوصف السيح وهي الحاضرة الراهنة للخرج - ومنذ زمن ليس بالقصير- بأنها واحة خضراء هادئة . غنية بالموارد المائية السائحة حيث العيون و الآبار والشعاب و الأودية مما جعلها خصبة للزراعة صالحة . فالمزارع و الحقول والبساتين والحدائق متناثرة فيها فيكل ناحية تحفها الأشجار من كافة الأنواع و الأطياف . فهي بلاد الخضرة والماء والكرم الأصيل وأشجار الأثل والعرار و النخيل . عدا الفواكه والخضار والماء السلسبيل . وتعد منذ زمن سلة الغذاء للرياض العاصمة . ومعلوم بأن تاريخها ضارب في عمق الزمن . إذ قطنها العديد من الأقوام منذ القدم . هذا على مستوى البيئة الطبيعية . وفي تركيبتها السكانية المعاصرة استوطنها ألوان من البشر امتزجت فيما بينها في لوحة تشكيلية لخليط من أجناس بشرية غير متجانسة . تبدو لناظرها كبساط أخضر حيك من فيسفاء خضراء لامعة . فالانتماء الإقليمي لسكانا يتراوح بين الأصليين من أهل الخرج ,
مرورا بالنازحين إليها من أنحاء مختلفة من نواحي و بوادي البلاد , ما بين شمال وجنوب وغرب و شرق . والغالب منهم من أقاليم وسط البلاد , وبالذات اقليم القصيم و الوشم . عدا المهاجرين إليها من بلاد العرب وبالذات أهل اليمن ( شمال و جنوب ) , وآخرين قدموا إليها من أصقاع الدنيا الأخرى كتركيا وشمال وشرق أسيا و أفريقيا . ويلاحظ أن منهم من اندمج مع أهل الخرج . وآخرون آثروا الاحتفاظ بهوياتهم الأصلية . ومنهم من جمع بين هويته وهوية غيره . والأهم أنم مازالوا محتفظين بالطابع الفسيفسائي لتركيبة الخرج السكانية جسدا و روحا . وفوق هذا وذاك ضربوا المثل في الألفة و التوافق . يشهد بذلك ما حدث بينهم من مصاهرة و تزاوج . من جانب آخر تجد في كل حي من أحياء الخرج ما يميزه من اختلاف في تخطيط الأحياء إل تنوع في تصميم المعمار . وهذا التنوع والاختلاف أضاف على الخرج جمالا على جمال. و حين تجوب كل حي ترمق عينك ما يميزه من الخلفية الإثنية للسكان أو الطابع الفن و الأثري للمعمار. إذ تجد من المعمار فيه ألوان , تجد البيت النجدي المميز بشرفاته و القصر الحضرمي المميز بطوابقه. وليس

أجمل و أبهى من قصر المؤسس ( يرحمه الله) الرابض على تلة يشرف منها على ساقي ونخيل مشروع الخرج الزراعي , وبسبب موقعه أطلق عليه اسم " قصر مشرف " العالي . عدا توفر أنماط أخرى من العمارة الحجرية الحديثة و الاسمنتية المعاصرة التي تسمكل حارة و زقاق و شارع . وحارات الخرج و أزقته أيضا متنوعه ومعالمه متعددة ; منها القديم ومنها الحديث . فالعيون وما تفرع عنها من قنوات و ترع مائية تعد من أبرز ما يميز الخرج من معالم . وقد نالت الخرج منذ نشأتها من اهتمام الدولة الشئ الكثير. إذ طالتها مظاهر التطوير لها و التبكير في التحديث , فأنشأت فيها أول مصانع حربية و أقيم على أراضيها الخصبة أكبرمشروع زراعي في الشرق الأوسط , فاق غيره من المشاريع بالتخطيط والإدارة
و المكنكة . ويكفي أهل الخرج فخرا أن خلد مشروعهم الزراعي برسمة له على فئة الخمسة ريالات من العملة الورقية الوطنية. وأصبحت مرافق المشروع و المشتل الزراعي التابع لبلدية الحرج مقصدا لكل سائح و زائر . وبقيت هذه المعالم حديث الركبان عب الأزمان . والحديث عن ذكرى بعضها و إن زال مازال يجري على ألسنة الأجيال . وما هو جدير بالذكر أن التركيبة السكانية للخرج ازدادت تنوعا بعد نزوح الكثير من مواطن البلد للخرج طلبا للعمل والبحث عن مصدر للرزق . وعلى إثر ذلك اتسعت مساحتها . وتعددت و تنوعت أحياؤها . فالخرج الآن بيئة عامرة بمصادر متنوعة للعمل وكسب الرزق , وهي كما عهدناها في سنوات ماضية مازالت تعطي وتهب للوطن ومواطنيه , وتسهم في نموه و تطوره . و حقيقة أن الخرج بأمس الحاجة إلى من يعيد لها رونقها و يعزز جمالها و يذكي جاذبيتها على مستوى التخطيط و التطوير الذي يتناسب مع مستوى التحديث لها , و يواكب مطالب دورها كرئة تنفس لأهل العاصمة الرياض و ما جاورها . ومع تباشير تعيين محافظ لها جديد ممثلا بصاحب السمو الملكي الأمير/ فهد بن محمد بن سعد بن عبد العزيز آل سعود , فإننا نغتمنها فرصة ذهبية لنرحب به أجمل ترحيب . ونعلق على جهوده - بعد الله - آمالا طوالا بأن يعيد للخرج رونقهاكقاعدة للبناء و مهدا للتصنيع و مرتعا للترفيه . ولنا في سموه الكريم أمل كبير بأن يجتهد في إعادة الحياة لها لتبقى رمزا لانطلاقة التحديث في البلاد السعودية منذ عهد التأسيس و فاعلة في المساهمة بتنفيذ رؤية (٢٠٣٠) لولي عهدنا الأمين في ظل عهد مليكنا خادم الحرمين الشريفين . و حسبنا
أن سموه أهل لذلك وبه جدير.
أ.د. دخيل بن عبدالله الدخيل الله أستاذ علم النفس الاجتماعي جامعة الملك سعود ( سابقاً)