الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن سعودالغزي...(الخرج بلد الحضارات)
ومن حيث الآثار فلا شك أن أرض الخرج مليئة بالمواقع الأثرية، فحيث سرت تشاهد أدلة وجود الإنسان بالرغم من التدمير الطبيعي الذي مر على الخرج كالسيول الجارفة، وفترات الغرق التي طمست مدن كاملة داخل حوض الخرج، ويضاف إلى ذلك التدمير البشري الذي تتعرض له المواقع منذ عصور قديمة، فاللاحق يزيل آثار السابق ويحل محله، وبهذا تختفي بلدات باكملها. زد على ما مر الردم الطبيعي الذي يتمثل بالرمال المنقولة والأتربة التي تجلبها مياه الأودية. ومع وجود هذه المؤثرات الفاعلة إلا أن الخرج بقي أحد مواطن استقرار الإنسان على مر الأجيال المتعاقبة منذ آلاف السنين.
وتتمثل آثار الإنسان في الخرج بعدد كبير من مواقع العصور الحجرية التي تعود إلى فترات مختلفة، أؤرخ منها بشكل قاطع موقع في جبال الشديدة عملت به بعثة سعودية فرنسية، وأجرت تحاليل علمية في معامل في البرازيل على مواد التقطت منه وأعطت التاريخ قبل خمسين ألف عام. وإلى الجنوب الغربي من هذا الموقع توجد منطقة يطلق عليها الرفائع تنتشر فيها المرافن الركامية على روابي متعددة، نفذ فيها قطاع الآثار عمل ميداني والتقط منها مواد عضوية حللت في معامل أمريكية وأعطت تواريخ تتراوح ما بين ١٩الف سنة قبل الميلاد إلى ١٠الاف سنة قبل للميلاد. ومن المواقع المهمة في الخرج موقع مدافن عين فرزان والذي يبلغ طوله من الشرق إلى الغرب ٢٠كم وتزيد، وعرضه من الجنوب إلى الشمال تتراوح ما بين ٥و٣كم، ويعتبر هذا الموقع من أكبر مواقع المدافن المبنية بالحجارة في جزيرة العرب، أنجزت فيها أعمال ميدانية أكدت نتائجها أنه عاصرت الألف الثالث قبل ميلاد المسيح، وبجوار هذا الموقع موقع آخر لقنوات المياه الجوفية ينطلق من عينين أحدهما عين فرزان الشمالية والثانية عين فرزان الغربية، وبعد التقائهما يتوجهان إلى الشرق حتى تنتهي القنوات بمزارع السليمية القديمة، وعند انتهى هذا الخط توجد مستوطنة قديمة مندفنة تماما، وعلى سطحها توجد كسر الأواني الفخارية بكثرة. وإلى الجنوب الشرقي من هذا الموقع يوجد موقع ضخم اسمه اليمامة، تغطي أجزاءه الباقية كميات من الرمال الحمراء، توجد فيه معالم طينية، وعثر فيه على مسجد ضخم، وأفران لشواء الأواني الفخارية، وبقايا سور ضخم، وبقايا أعمدة دائرية طينية مشكلة من لبن طيني مثلث الشكل تدل على قوة الموقع من الناحية الاقتصادية. في هذا الموقع عثر على بقايا منازل طينية وتنانير لصناعة الخبز. وإلى الشرق من هذا الموقع بثلاثة كيلو مترات يوجد موقع حزم عقيلة، وهو من المواقع التي تشتمل على مباني طينية غطتها الأتربة، ودمرت الآلات أجزاء منها، ويبدو من سطح الموقع أنه مستوطنة غنية، فتكثر كسر الأواني الفخارية، والحجر الصابوني، والأواني الزجاجية، والأسوار، واستخدم الجص في تمليط جدران المنازل. وفي الجزء الجنوبية من حوض الخرج توجد مواقع عديدة من أشهرها موقع عين الضلع، وهو حقل مدافن ركامية ضخمة يشرف على عين الضلع من ناحية الشرق، وقدر ما وجد فيه ب٤٠٠٠ مدافن ركامي. ويوجد مستوطنة بالقرب من هذا الموقع تقع إلى الجنوب الشرقي من بلدة الراشدية، عهدي بها عام ١٤٠٨هـ، ولا أدري أهي بقيت أم أزيلت.
هذا فيما يخص الآثار الثابتة، أما الآثار المنقولة فيها كثيرة ومتنوعة في وظائفها وأشكالها ومادة صناعتها.
الخلاصة نستطيع القول أنك أينما سرت في حوض الخرج فأنت تسير على آثار الإنسان القديم، ولابد أن ترى على يمينك وعلى شمالك شواهد كفاح ذلك الإنسان عبر آلاف السنين، لذا أحببت الخرج وأهلها، فقد كانت ماضيا لنا جميل نفتخر بمنجزاته، ونأمل أن تصل الخرج إلى مستويات زراعية وصناعية وتعليمية تستحقها، فهي بلد النخيل والعيون والفواكه والقمح وعبرها يمتد الطريق.