معالي بنت عبدالله الرفدي .... المناهج الدراسية بين الأصالة والمعاصرة واستشراف المستقبل
ولا شك في أن إعادة النظر في المناهج المعاصرة لبيان قدرتها على تحقيق المواءمة بين ثلاثة عناصر زمنية أساسية عنصري:
الأول: تحقيق الثبات على الأصول الموروثة والأعراف المتوارثة جيلا بعد جيل،
الثاني: القدرة التعايشية مع معطيات العصر الحاضر.
الثالث: القدرة الاستشرافية على تلبية حاجات المجتمع المستقبلية.
ويعد المنهج نقطة التقاء بين ما يريده المتعلم وبين متطلبات المجتمع للوصول الى تحقيق النمو السليم للمتعلم نحو تحقيق المواطنة الصالحة. والعمل على تحسين المخرجات التعليمية والتركيز على الإنسان المدرب والمؤهل وفق متطلبات المجتمع والسوق والاهتمام، وأهمية التخطيط لإعداد المتعلم لأدواره المستقبلية الأهداف التربوية واستشراف المستقبل:
إن تطوير السياسات التربوية والوقوف على الغايات الكبرى للمنظومة التعليمية- هو الخطوة الأولى نحو تحديد الأهداف التي يسعى المنهج ذي العناصر الثلاثة السالفة الذكر إلى تحقيقها، وينطلق التربويون في بناء هذا المنهج من هذه الأهداف.
والجدير بالذكر أن تحقيق الأهداف التربوية يبدو جلياا في مخرجات التعلم ونواتجه ا منه موضوعا بالغ الأهمية في العملية ا ، التربوية ، لأن الاهداف هي التي توجه كل عناصر العملية التربوية وتضبطها بتداءا من وضع الخطة وتصميم المقررات وطريقة التنفيذ، وانتهاء بقياس ما تحقق وتقويمه، ويعد تحديد الأهداف بصورة واضحة هي الخطوة الاولى في التقويم، وفي حالة عدم تحديد الأ لا هداف التعليمية سوف تفتقد اساساا سليماا ختيار المحتوى وتصميم الوسائل واختيار أساليب التقويم الملائمة التي تعطينا الصورة الحقيقية عن مدى ما حققنا من أهداف.
فالأهداف العامة للتربية بمفهومها الشامل، هي أشبه بالعلامات التي تبين معالم الطريق وترشد المسافر في رحلته فالهدف العام للتربية عندنا كشعوب مسلمة: هو تنشئة الإنسان الصالح الذي يعبد الله حق عبادته ويعمر الأرض على وفق وهذه الغاية أو الهدف البعيد يمكن أن يشتق منه أهداف متعددة تكون ، ويسخرها لخدمة العقيدة على وفق منهجه ،شريعته أ ا وبهذا تقدم التربية المنظومة المتكاملة من المعتقدات عن طبيعة ، كثر تحديدا وأكثر قدرة على توجيه العملية التربوية المعرفة ووسائلها، والسبل الموصلة اليها، ثم الهدف العام والنسق القيمي والأخلاقي الذي يحكم حياة الفرد والمجتمع والأمة، لذا نجد أن الأ ا ساس الفلسفي للتربية عموما ولمناهج التربية الإسلامية على نحو خاص ينبثق من نظرة الإسلام إلى الكون، والحياة والإنسان، ومن هذا الأساس الفلسفي تشتق الأهداف العامة للتربية، ثم الأهداف الخاصة بكل مرحلة تعليمية، ويركز محتوى منهج التربية في الإسلام على مواد كسب المهارة وتعلم الصناعات المختلفة والإعداد للحياة العملية الحاضرة والمستقبلية، والعمل الجاد الذي يعين الإنسان على عمارة الأ ا عن مواد فضلا ، رض بمقتضى منهج الله ترقية الوجدان، وإبراز عظمة الله في خلقه، فالاهداف التربوية هي بمثابة الإطار الذي يحدد معالم العملية التربوية؛ إذ تحدد وجهة سيرها وتعين على اختيار محتوى المنهج وطرائق التدريس وطرائق التقويم الملائمة، وإن الاهداف العامة للتربية تحدد نمط الإدارة التربوية والمناخ الصفي والعلاقة بين القائمين على توجيه العملية التربوية والمستفيدين منها.
المناهج واستشراف المستقبل:
تعد المناهج الدراسية إحدى أدوات المجتمع في تربية أبنائه تربية هادفة مقصودة ؛ كما أنها من أهم أدوات غرس المواطنة ، لدى الأبناء وتحقيق الانتماء لأوطانهم وارتباطهم بالموروث من الأصول الشرعية والقيم والأعراف والتقاليد المرعية لذلك فهي تحتاج للمراجعة المستمرة للتعرف على مدى كفاءتها في تأدية رسالتها في ظل التطورات العالمية المتلاحقة على كافة المستويات العلمية والتكنولوجية والفكرية؛ الأمر الذي يعني ضرورة التعامل مع تلك التطورات وإعداد الأبناء لها بمعطيات العصر الذي يعيشون فيه، ومن ثم فإن تطوير تلك المناهج وفق المعايير والمقاييس التربوية العالمية يعد البداية الحقيقية لإعداد أبناءنا للتعامل مع معطيات العصر ومتغيراته.
وإذا كان المنهج ظاهرة اجتماعية ومحصلة لما قد يعتري المجتمع من تغيرات، فإن جودته أو معيار صلاحيته رهن بقدرته على الاستجابة لتلك التغيرات الحالية والمستشرفة في المستقبل، الأمر الذي يجعله أقدر على تحقيق النفع الاجتماعي وهو يصلح لتحقيق ذلك إذا كان محتواه من المادة الدراسية وطرق التدريس والوسائل التعليمية ومختلف الأنشطة أدوات ذات فعالية في المواقف التعليمية، فالمقصود هو بناء تلك المناهج في ضوء مستويات معيارية وطنية ولما كان المنهج المدرسي هو جوهر النظام التعليمي حيث يمثل- المنهج- المحصلة النهائية للخبرات والأنشطة ،وعالمية التعليمية التي تقدم للأبناء لتحقيق أهداف النظام التعليمي وغاياته، فإن هذه التطورات والمتغيرات تلقي بظلالها على المناهج الدراسية وتؤثر فيها بشكل يفوق تأثيرها في أي مجال آخر.
ولعل من أهم الإشكاليات التي تطرح في هذا الشأن قدرة مناهج التعليم على المواءمة بين الأصالة والمعاصرة مع استشراف المستقبل.
ومن هنا تأتي أهمية الربط في مناهجنا بين الأصالة التي تمثل جذورنا القيمية والثقافية، والمعاصرة التي تمثل حاضرنا وطريقنا نحو المستقبل .ن فكما أنه لا يمكن للإنسان أن يعيش سوياا وهو فاقد للذاكرة منفصل ع أصوله كهشيم تذروه الرياح ؛ كذلك لا يمكنه أن يعيش بلا أمل وطموح يدفعه للعمل والاجتهاد والأخذ بأسباب التقدم والرقي كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
*ماجستير المناهج وطرق تدريس كلية التربية بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز
-متطلب مقرر تخطيط المنهج وتنظيمه إشراف الدكتور/ حمد بن عبدالله القميزي