د. محمد حامد الغامدي...الأمن الغذائي هو الماء نفسه
* التوازن بين الزراعة والماء ضرورة وطنية إستراتيجية. فالمياه بمناطق الصخور الرسوبية ناضبة، وغير متجددة. والمياه بمناطق الدرع العربي، رغم كونها متجددة، إلّا أن الاستنزاف يفوق التعويض بعشر مرات. هذه الحقائق تثير التساؤل عن مدى خطورة تغييب الإستراتيجية الزراعية حتى اليوم.
* تأسست وزارة البيئة والمياه والزراعة عام (1954)، هذا يعني (66) عاما من الاجتهاد والاندفاع. لم نتعلم ونتعظ من عبرها ودروسها عبر تاريخها.
* عشنا مبادرات زراعة الطّفرة، زراعة بدون إستراتيجية ومعايير وخطط وبرامج، فخسرنا المال، والجهد، والوقت. الأهم.. خسرنا الماء. في أقل من عشر سنوات. سرَّعت الزراعة العشوائية باستنزافه، وبشكل جائر. أليس هذا مبررا.. ودرسا مرعبا.. وسببا كافيا.. لوضع إستراتيجية وطنية زراعية.. تقيّد العشوائية.. وفوضى التوسعات والمبادرات الزراعية، لصالح الأمن الغذائي؟ لماذا نعيد التاريخ؟
* أطلقت مؤخرا مقولة.. [أن من يستبيح مياه الوطن والأجيال القادمة، لن يكون مكترثا بأمنهم الغذائي].. هكذا تكون الحقائق.. مؤلمة.. ومرّة.. وصادمة. هذا ما أحذر منه، وحذرت خلال العقود الماضية. وأسأل.. أين المشاريع الزراعية المستدامة منذ تأسيس الوزارة؟ هات مشروعا واحدا استدام عطاؤه، وحقق أهدافه؟ كل المؤشرات بقراءة.. عنوانها: النتائج سلبية.
* أكرر.. أين الإستراتيجية الزراعية التي تراعي مواردنا المائية النادرة والمحدودة، وذلك لضمان استدامة الأمن الغذائي؟ لماذا لم نتعظ مما جرى خلال خطط التنمية الثالثة والرابعة والخامسة خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؟ لماذا استمر منهج الاجتهاد والاندفاع الزراعي على حساب المياه الجوفية؟ من هو المستفيد؟ من هو الخاسر؟ لماذا نتجاهل بناء ورسم إستراتيجية وطنية زراعية؟
* بلغت مساحة الحيازات الزراعية بنهاية الخطة الخامسة (1994م) حوالي (4.3) مليون هكتار، بزيادة عن بدايتها بحوالي (مليون) هكتار. هل كان هذا نتاج إستراتيجية زراعية؟ إن تلك المساحة في حينه كانت أكبر من المساحة المزروعة في مصر هبة النيل. أيضا زادت عدد الحيازات في نهاية الخطة عن بدايتها بحوالي (22) ألف حيازة. هل كان هذا نتاج إستراتيجية زراعية؟ أقول هذا لأن الخطة الرابعة (1985)، نادت وبشدة.. بوقف التوسع الزراعي، فكان التجاهل مصيرها.
* أكرر.. لماذا غابت الإستراتيجية الزراعية خلال هذه العقود الستة؟ أدعو الجميع للتأمل.. والتفكير.. في أمر المستقبل.. في ظل غيابها. أيضا في ظل التوسعات الزراعية التي لم تتوقف، ولكنها تتعدد، فيغيب بعضها وتظهر أخرى جديدة، وهكذا دون إستراتيجية تلزم الجميع بخططها وبرامجها ومعاييرها.
* هل كان التوسع في زراعة القمح والشعير ثم التوقف عن زراعتهما وليد إستراتيجية زراعية؟ هل زراعة الأعلاف وتوسعها، ثم تقليصها، وليد إستراتيجية زراعية؟ هل مشروع إعادة تأهيل المدرجات الزراعية، في مناطق الجنوب الغربية، وليد إستراتيجية زراعية؟ هل التوسع في زراعة النخل وليد إستراتيجية زراعية؟ هل تشجيع تأسيس الجمعيات التعاونية الزراعية وليد إستراتيجية زراعية؟ هل التوسع في زراعة الزيتون، وبقية الفواكه الأخرى وليد إستراتيجية زراعية؟ هل المبادرات الزراعية الحالية وليدة إستراتيجية زراعية؟
* إن الأمن الغذائي.. والأمن المائي.. مطلب لن يتحقق.. إلا.. بوجود إستراتيجية وطنية زراعية.. على أن تكون رؤيتها.. وفلسفتها.. ومنهجها.. وحكمتها.. وخططها.. وبرامجها.. ومعاييرها.. قائمة على حقيقة.. أن الزراعة ماء.. والغذاء.. زراعة وماء.. هذا يعني بكل جلاء.. أن الأمن الغذائي هو الماء نفسه.
نقلا عن صحيفة اليوم .
@DrAlghamdiMH