د.نيرمين ماجد البورنو... لا تصورني ....!
صور عديدة مؤلمة منتشرة لفقراء بملابس رثه وسخه, مشاهد قاسية يمر الناس بالقرب من هؤلاء المتسولين من دون ابداء أي اهتمام وكأن من يفترش الطريق مجرد حيوان وليس إنسانا له كيانه وحقوقه, أطفال باتت تتخذ الشوارع مبيتا وحضنا يفترشون الأرض معتبرين صخورها وحصاها أحن عليهم ممن حولهم من البشر وحال لسانهم يقول كفوا عنا وأرحلوا أتركونا ننام و لا تصورونا فنحن من عناء الفقر مهملين ومن هموم الأرض مثقلين, يلفون أجسادهم النحيلة بقطعة مهترئة من السجاد! نماذج كثيرة لبشر ينتشرون في الشوارع المتعبة والمثخنة بجراحها تعددت الأسباب في هيامهم وتوحدت أشكالهم فثيابهم رثة ولحاهم كثيفة غير مهذبة وعيونهم غائرة وأجسادهم هزيلة ونفوسهم هدها الضياع والحرمان ماتت أحلامهم قبل أن تولد, تراهم كبارا وصغارا لا يأبهون لما حولهم، تسألهم عن حالهم فتغرق عيونهم بالدموع الساخنة، بل الكاوية, أي حال هذه وهم لا حول لهم ولا قوة؟ مشاهد يقشعر لها البدن، تشعرك بالشفقة والنقمة في آن واحد. الشفقة على أشخاص غدر بهم الزمن، والنقمة على مجتمع لا مبال وحكام ما همهم سوى السلطة والكرسي, فهل الفقير في بلادنا بات يموت بدون ضجيج, وهل فكرنا للحظة بحال هؤلاء الفقراء و تخيلت نفسك مكان هؤلاء الأطفال تتلقي تبرعا من جهة ما ومشروط عليك أن تتصور بتلك الهيبة المذلة! وكيف لو كبرت ورأيت تلك الصورة في أرشيف المؤسسة؟ أو كيف لو ابتكرت المؤسسة وسيلة تسويق ووضعوا صورتك على حقائب المدرسة أو على يافطات إعلانية للتبرع والتسويق في الشوارع؟ فقراء ما قبل اختراع الكاميرا نجوا والحمد لله من تلك الفضيحة التي فتكت بفقراء ما بعد الاختراع!
أيعقل ونحن في القرن الحادي والعشرين، وفي عصر العولمة، أن نجد أطفالاً يتوسلون اليك لكي تعطيهم ولو قرشا واحدا يشترون به ما يسد جوعهم ورمقهم ؟ وأيعقل أن نري شيوخا ونساء ينامون على فراش ممزق تحت الكباري والجسور وفي أكياس النفايات؟ أيعقل ونحن العرب نتغنى بالكرم والضيافة وببلد العجائب والسحر والجمال وأمه أقرا والثقافة والتراث والسياحة والفنون؟ أين نحن من حقوق الإنسان المكفولة التي نتغنى بها في مؤتمراتنا ومؤسساتنا وحديثنا وشعاراتنا؟
يد تساعد خير من عين تشاهد, إن حال الطفل الذي يضطر لتقبل تصويره حينما يستلم مساعدة يشعر بأنه ينسلخ من أدميته أمام الكاميرات ويتم المتاجرة بفقره وحاجته دون اعتبار لكرامته وإنسانيته فيقبل بالمهانة والدونية ويشعر بالخجل لكنه يصمت ويتصور لأن لقمة العيش صعبة, واشتراط التصوير حرم الكثير من المحتاجين للتوجه لأى من تلك المؤسسات حفاظا على كرامتهم رغم حاجتهم الماسة لذلك , وتلجأ الكثير من المؤسسات الى التوثيق كون الصورة تشجع متبرعا أخر على التبرع وتقدم المشاريع الى المؤسسة نفسها, ولكن الانسانية أهم من كل تلك الاعتبارات فيجب على الدول إيجاد حل لتلك الظاهرة التي تتفاقم يوم بعد يوم وتتنشر لأنها تعتبر انتهاك صارخ لكرامة وحقوق الإنسان الفقير ويجب اتباع طرق أخرى لإثبات تسليم تلك المساعدات للناس, ويجب على الاخصائيين النفسيين إجراء بحث لتلك الظاهرة كدراسة استقصائية وتحليلها وصولاً الى أسبابها وانتهاءاً الى وضع الحلول الجذرية أمام تلك الظاهرة الخطيرة, وعلى الجميع أن يعي ان إطعامهم أو كسوتهم أو امدادهم بالبطانين او حتى إيجاد مأوي لهم هو حل مؤقت شبيه بالمسكنات ثمنها بعض الصور التي تلتقطها عدسات الكاميرات لتحكي زوراً أن المشكلة قد انتهت على يد تلك المؤسسات ,ان الإعانة حق للفقير سواء أكانت مالية أو عينية لكن توظيفها إعلاميا بغية الشهرة فهو تصرف غير أخلاقي ولا يليق بكرامة الإنسان, فالكرامة حق للإنسان لا تسقطه الحاجة ومجد وهبه من الله تأتي نتيجة عقل مستقيم وجاد وثمن الكرامة والحرية فادح لكن ثمن الذل مر وعلقم, إن الثابت هو أن إنسانية الإنسان أو كرامته سابقة على الحرية وعلى العدالة, فكن إنساناً عادلاً تسلم , وعش عزيزا أو مت وأنت كريم!