( د صالح الحمادي ) / فلسفةُ السفر
زرت أربع وأربعين دولة ورصدت هذه المحطات بعمقها الحضاري والثقافي، ومقالب هذه المحطات، وجمالياتها، ومتعتها، ووجعها، فوجدت لأهل السفر غاية وأنا غايتي غير، فهناك من يسافر للمتعة والترفيه فقط، وهناك من يسافر للبحث والتقصي والثقافة المعرفية، أو العلمية أو كليهما، وهناك من يسافر لسياحة الفنادق يتلذذ بالجلوس في بهو الفندق، والتجول في مطاعمه ومقاهيه، ولا يفكر في التجول، ومشقة السياحة الحقيقية، وهناك من يسافر فيقلب برنامجه وساعته البيولوجية رأسًا على عقب بالسهر ليلًا والنوم نهارًا، ولا أبالغ إذا قلت: إن البعض لا يشاهد الشمس منذ وصوله للبلد الذي اختاره للسياحة لحين مغادرته، وهناك من ينظر للسفر بقاعدة «حج وبيع مسابح» فيمارس السياحة أوقاتًا، والتجارة أو البحوث العلمية في أوقات يختارها بطريقته، وهناك من يخطط للسفر بدقة متناهية، وعكسه الذي يتجه للسفر كفكرة بدون تخطيط ويقع في عدة مطبات ويعتبر حلاوة الرحلة في مراراتها، بل لا أبالغ إذا قلت لكم: إن البعض ممن أعرفه جيدًا لا يرتب حجوزاته نهائيًا بحجة أن الحجز يخنق أنفاسه ويقيد حياته، ويفضل السفر ثم يختار العودة عشوائيا.
السفرُ متعةٌ وفنٌ ومهارةٌ، فالسفرُ مع الأسرة له رونقه وسعادته وبهجته، والسفر مع الأصدقاء يكشف الجوانب السلبية والإيجابية في جميع المشاركين بالرحلة، ويضفي على الرحلة قيمةً أدبيةً في التعامل، ويكشف التنازلات التي تزيد من قيمة الإنسان ورفعته بين أصدقائه.
السفر منفردًا منهيٌ عنه لكن له أيضًا نكهته ومميزاته. تعالوا إلى كلمة سواء، اتركوا سياحة الخارج فقد وصلتكم رسالة واضحة وصريحة من تركيا وما ينتظركم هنا، واتجهوا لسياحة الوطن، ففيها كل الفوائد، واستمتعوا بالسفر في سماء النسيان.
s.alahmad@saudiopinion.org