منيرة المبارك ( كما تدين تدان ولو بعد حين )
هذه القصة حصلت معي عندما كنت أعمل ممرضه منتدبة في دار المسنين في تلك المنطقة ، ازورهم مرتان في الاسبوع واعمل فحوصات دوريه لكبيرات السن ..
لكن دائما يشدني منظر امرأه لا يتجاوز عمرها ٤٥ او ٥٠ غريبه جدا لا تجتمع مع أحد وكلما أزورهم اجدها في غرفتها محافظه على رونقها ودائما أراها تتجمل، يعني ليست مثل باقي الكبيرات..
كل اسبوع يمر يزداد فضولي فكانت لا تجيب على اي أسئله، ولا تشتكي لي مثل باقي الأمهات ..
حتى جاء ذاك اليوم وسألتها: (اعذريني لكن ليه ماتتجاوبين مع احد في الدار اعتبريني مثل ابنتك، وطلعي اللي في قلبك)
نظرت إلي نظره مليئة بالدموع وكلام كثير في عيونها .. صمتت تقريبا خمس دقايق وهي واضح عليها ان شخصيتها قويه ..
أخيرا نظرت إلي وقالت: (بقولك ليش انا هنا)
قلت: (صراحه ودي اعرف، لان الجميع هنا يشتكي الا انتي)
قالت: (أنا لي اربع سنوات في هذا الدار رزقني الله ب ابن واحد متفوق دراسيا
توفي أبوه وهو في الثانوي وأكمل دراسته، الان موجود في أمريكا، متزوج ولديه بنت ..
أكمل دراسته في الجامعه ولتفوقه سافر بعثه لتكملة الماجستير والدكتوراه، وكنا نسكن شقه وزوجته معنا فكانت تتضايق كثيرا لوجودي معهم .. فصدمت يوم انتهى من أوراق الابتعاث جاء قالي: "يمه تراني مسافر ويمكن تطول سفرتي سبع سنوات لكن انتي شوفي احد من اخوالي تجلسين عنده وانا أجيكم كل فتره" !! انقهرت انه بيتركني، قلت: "لا، اروح دار المسنين ولا اروح عاله عند احد"
انصدمت بعد يوم قالي: "سوي اللي يريحك يمه" !! وقتها دارت فيني الدنيا وتذكرت اللي كنت اسويه بعمتي قبل سنين)
نظرت إلي وقالت: (والله انا استاهل اللي صار لي ، كنت احرم زوجي يجلس مع أمه .. كنت اختلق المشاكل بينهم، كانت ساكنه في الدور الثاني وكان زوجي دايم يحرص علي اني اخلص غداي واذا جا من الدوام اطلعه فوق عشان نتغدى مع بعض، لكن كنت اطلع أعطيها غداها وعشاها بدري عشان نأكل تحت من دونها، وكان زوجي دايم يعاتبها يقول "يمه ليه ماتتغدين معنا" تقوله "وانا امك انا اجوع وانت تتأخر"
وكانت رحمة الله عليها لا تشتكي أبدا لولدها، وكنت اجرحها كثيرا .. والله انها كانت تبكي وكانت تقول الدنيا دواره وأنا خالتك وتعطيني هذيك النظره بصمت وتهز رأسها .. والله ما أنسى نظرتها ماحييت، لكن ماكنت التفت لها،
والله ظلمتها كثير لكن مدري هي سامحتني والا ماسا محتني ؟ جتها جلطه ودخلت غيبوبه وماتت وانا ماطلبتها تسامحني ..
هذا انا الحين ربي يجازيني بكل اللي سويته فيها بالدنيا ومدري كيف عقابي بالآخرة ؟
ولدي يكلمني بس بالأعياد، يمكن أموت ماخلصت السبع سنوات ويمكن ارجع اسكن معهم وزوجته ماتراعيني، لكن الله يسامحني)..
بكت كثيرا ورددت (الله يسامحني) ..
قبلت رأسها وقلت: (يا خاله يمكن سامحتك تصدقي على نيتها) قالت: (ما أظن انها سامحتني، سويت فيها العجايب، ما أظن..)
استأذنتها أن انشر قصتها قالت: (لا تكفين
لا تقولين اسمي، اقنعتها أني سأنشر قصتها بدون أسماء ..
فعلا كما (تدين تدان)
كلما أمرتكم أنفسكم بالسوء وعقوق والديكم ووالدي أزواجكم تذكروا أنكم ستلاقون كل شي فعلتموه سواء كان خيرا أو شرا ...
والحمدلله رب العالمين