عبدالله المزهر ( «المشعاب».. ابن الشجرة البار! )
وفكرة وجود حساب شخصي في مواقع التواصل أساسها أن يبدي الشخص فيها امتعاضه من الأشياء ويشتم الآخرين. ولا ضير من أن يقول كلاما لا يؤذي أحدا إن وجد متسعا من الوقت لفعل ذلك.
الذي فاجأني وأسعدني في الوقت نفسه هو الامتعاض من امتعاضي، ووصفه بالمثالية الزائفة من قبل محبي حلاقة رأس الأرض وتحويلها إلى كائن كروي أصلع خال من الأشجار. مع أن مسألة كروية الأرض هذه محل نقاش لا يتسع له المجال الآن. وربما سيكون الأمر أسهل في معرفة شكل الأرض بعد تجريدها من الغطاء النباتي، حين تصبح عارية تماما يسهل معرفة تفاصيل جسدها وهل هو كروي أم مسطح.
وقد فاجأني الأمر لأني لم أكن أتوقع وجود هذا العدد من محبي اغتيال الأشجار، وأسعدني لأن هؤلاء أكثر وضوحا من غيرهم، لن يقوم مروجو المخدرات مثلا أو قطاع الطرق أو سارقو المحلات التجارية أو لصوص المال العام بالدفاع عن أنفسهم بهذا الشكل العلني الذي يتيح لجماهيرهم معرفة الطريقة التي يفكرون بها. وهذه نقطة تحسب لصالح الإخوة أعداء البيئة والطبيعة والحياة، ويتفوقون في هذا الجانب بكل اقتدار على فئات المجرمين الأخرى الذين تعوزهم الصراحة والشفافية والوضوح.
ومما راق لي في هؤلاء الإخوة أنهم أيضا ـ كغيرهم من المجرمين ـ يجعلون للأمر صبغة دينية، فيستدلون بآيات من القرآن الكريم تدل على أن النار تشعل من الحطب. وهذا مبرر كاف في نظرهم لأن تقطع شجرة عمرها مئات السنين من أجل أن تستخدم حطبها في صور السناب شات.
والفكرة ليست في منع الاحتطاب أو تحريم إشعال النيران، لكني أكاد أجزم أن ما استخدمه سكان الجزيرة العربية من الحطب حين كانوا يستخدمونه كضرورة لا بديل لها طوال قرون أقل مما تم قطعه من أشجار في آخر 20 سنة التي يستخدم الحطب فيها من باب الترف والكماليات.
والمشكلة الأكبر أنه مع كل أدوات التعلم والتعليم والتوعية إلا أن الوعي بهذا الجانب أقل بكثير مما كان عليه، ففي الجنوب ـ على سبيل المثال ـ كانت الأعراف القبلية تنظم عملية الاحتطاب، ويعاقب المخالف ويتم «تعزيره» مع أن حياتهم كانت معتمدة على الأشجار كمواد بناء وكحطب أيضا. أما الآن فإن «الجهات المختصة» تضع القوانين من باب «رفع العتب» ولا يهتم أحد ولا يراقب أحد ولا يعاقب أحد.
وعلى أي حال..
البعض يجد صعوبة في فهم حقائق بدهية من أوضحها أننا لسنا في غابات مطيرة، وأن الأشجار في هذه الأرض كائنات تستحق الحفاظ عليها، وأن مسألة الغطاء النباتي ليست ترفا أو مجرد كائنات تعطي شكلا أجمل للطبيعة. وأن الاهتمام لأمر البيئة ليس مثالية لا مبرر لها. وأن الإسراف أمر كريه وبغيض دينا وعرفا وعقلا ونقلا. وفي حالات مثل هذه قد يكون «المشعاب» هو الوحيد القادر على شرح أهمية وضرورة وجود أمه الشجرة.
صحيفة مكة .