يسقط سن الستين! ( حسن فاحي )
لكن في كل بلاد الدنيا، الحياة تبدأ بعد الستين، إلا عندنا، فما إن يقترب أحدنا، رجلا كان أم امرأة من سن التقاعد، حتى تعتريه الهموم وتكسوه الكآبة..
وبدلا من أن يكون "تقاعده" حياة جديدة، عليه أن يتكيف معها سريعًا، وبدلا من أن يجد نفسه في مشروعه الخاص أو التفرغ لهوايته التي حرمته منها الحياة العملية، أو يستعيد رفقة الشباب والصبا، يصبح رفيقًا لأمراض السكر والضغط و"زبونًا" دائمًا في عيادات الأطباء..
أمثال هؤلاء، مع دوران الزمن تتغير الكيمياء الإنسانية بداخلهم، فمنهم من يتقبل هذا التغيير بسهولة، ومنهم من يرفض تلك التغيرات بشدة، ومن هنا تتولد الصراعات الداخلية، فنجد امرأة تتحايل على عمرها بوضع مزيد من مستحضرات التجميل، أو ترتدي ملابس لا تتناسب مع عمرها الفعلي، ما يزيد سخط من حولها!
في المقابل قد نرى رجلا متمردًا يرفض الاعتراف بعمره الحقيقي، يؤرقه بشدة أن يعلو الشيب رأسه، وقد يرتدي ألوانًا غير مناسبة لعمره، أو يخضع لعمليات تجميل أملا في أن تعيده إلى عمره الشباب، لكن هيهات، فما مضى قد فات، والحاضر قد يكون أجمل..
لكن على العكس في الخارج، لا تشكل هذه الشريحة من الناس رجالا أو نساء- أي متاعب في المجتمع، خاصة داخل عيادات الطب النفسي؛ حيث يمثلون ما بين 3% و4% فقط من بين المترددين على العيادات.
وها هي دراسة حديثة نوقشت أثناء انعقاد المؤتمر العالمي السنوي السابع للباحثين في مجال الطب النفسي، تقدم بشرى سارة لكل من تقدم عمره، مؤكدة أن أكثر الناس سعادة هم من تتراوح أعمارهم بين 60 و80 عامًا، أي من تخلصوا من هموم العمل ومتاعب الأبناء، ولا يلبث الإنسان أن يستقر إلا في سن الستين؛ حيث التخلص من متاعب العمل ومشكلات الأبناء والتخفف من أحمال ثقيلة عاشوا بها طويلا..
وعلى عكس اعتقاد غالبية الناس، بأن مؤشر السعادة يكون غالبًا في أعلى درجاته في سن الشباب والنضج، فإن المشاعر السلبية ـ وفق الدراسة ـ تتراجع مع تقدم العمر لتظهر المشاعر الإيجابية تجاه المحيطين من الأبناء والأحفاد، بما فيها من ضبط للعواطف بشكل إنساني إيجابي.
ومن يرى أعمار العلماء الفائزين بجوائز نوبل لهذا العام، سيجد أن الحياة العملية وروعتها تمتد حتى لما بعد التسعين!
فعمر العالم الأمريكي آرثر أشكن، الذي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2018 هو 96 عامًا.. ومن اللافت للنظر، أنه قد لا يتمكن من إجراء مقابلات صحفية حول الفوز بجائزة نوبل لهذا العام، إذ يبدو عليه أنه مشغول للغاية بمراجعة أحدث ورقة علمية له قبل إرسالها للمُحكمين من أجل النشر!!! .
إنه درس كبير لتعلم المثابرة وعدم اليأس..
أيضًا، فإن الفائزين بجائزة نوبل في الطب فوق سن الـ 70، فالأمريكي جيمس أليسون "من مواليد 1948" والياباني تاسوكو هونجو "من مواليد 1942" لاكتشافاتهما التي أدت إلى تحقيق تقدم في علاج مناعي لمرض السرطان، وما زالا يعملان بجدية في المعامل البحثية للوصول إلى شيء يخدم البشرية ويتلقون كل الدعم من المؤسسات التي يعملون بها ، ماديًا ومعنويًا..
إنه لدرس كبير أيضًا لتعلم المثابرة وعدم اليأس، أن يظلا يحاولان لمدة تتجاوز ٣٠ عامًا لإثبات النظرية العلمية والوصول لمنتج يخدم البشرية!
ولبيان أهمية اكتشافات الفائزين بجائزة نوبل في الطب، فإنه لأكثر من 100عام حاول العلماء إشراك جهاز المناعة وتسخيره في مكافحة السرطان، وطالما كان التقدم في هذا الأمر متواضعًا، إلى أن جاءت اكتشافات أليسون وهونجو الحاسمة لتحدث ثورة في علاج السرطان.
ولمزيد من الإيضاح لأهمية ما قام به العالمان، يمكننا القول إنه قبل ظهور هذا الاكتشاف، كان علاج السرطان محصورًا ما بين الجراحة والإشعاع والعلاج الكيماوي، أما الآن فقد أدى عملهم إلى الحصول على فئة رابعة من العلاج بتسخير نظام المناعة، حيث يعالجان السرطان بمحاربة البروتين الذي يمنع الجهاز المناعي من مهاجمة الأورام والخلايا السرطانية، وسيحد هذا الاكتشاف من أضرار العلاج الكيماوي.
ومن المثير للسخرية، أن إنجازات عالمي نوبل لمواجهة مرض السرطان، يقابلها نصاب مصري يدعي على صفحات التواصل الاجتماعي أنه يعالج جميع أنواع الأمراض العضوية، وعلى رأسها السرطان، عبر الهاتف، من الثالثة عصرًا إلى العاشرة مساء، وهكذا ينشر رقم هاتفه على الملأ ولا يجد من يردعه!!
فليسقط سن الستين، ولتذهب مخاوفه ولترحل أوجاعه، فالنصيحة لمن دنا من عتبات الستين أو تجاوزها بكثير أو قليل، ألا يستسلم لهذه السن وما بعدها من شيخوخة..
وعليه أن يتخذ من علماء نوبل مثلا وعبرة، ويتوقف كثيرًا أمام نماذج رائعة في الحياة، كهذه المعمرة اليابانية التي حققت أرقامًا قياسية في السباحة عالميًا، وقد تعدت المائة من العمر، وآخر يتسلق قمم جبال العالم وقد تعدى الثمانين، وهما يعلنان في سعادة لحظة التكريم بالجائزة أن الحياة تبدأ ولا تنتهي؛ ما دامت قلوبنا تنبض.
[/SIZE]