«وش غداكم»؟( سلوى العضيدان)
تقول إحدى الأمهات "لم أعد أشعر برغبة في صنع طعام الغداء لأبنائي وزوجي، فبغض النظر عن الوقت الذي أهدره في المطبخ، فإنني أشعر بالإحباط حين يبدأ أبنائي وبناتي في الاتصال بي قبل رجوعهم إلى المنزل، ويطرحون سؤالهم التقليدي: "وش غداكم"؟ لأفاجأ بهم عند دخولهم المنزل وفي يد كل واحد منهم وجبة سريعة وعلى طول على غرفته، أما زوجي فالنوم بالنسبة إليه له الأولوية على الغداء، وفي نهاية اليوم أكتشف أني أنا الوحيدة التي تناولت ما طبخت، ثم أبدأ في مرحلة عصف ذهني عن كيفية تصريف الأكل. لقد أصبحت "قطاوة" الحي تركض نحوي كأنها تعلم أني أحمل لهم ذلك الغداء الذي لم يأكله أحد!". مثل هذه المعاناة أصبحت أمرا اعتياديا تشكو منه الأسر بشكل عام، فقلة اجتماع أفراد الأسرة معا أثناء تناول وجبة الغداء، هي ظاهرة تمت مناقشتها من قبل رجال علم الاجتماع وعلم النفس، والآثار السلبية المترتبة على ذلك، لكن - مع الأسف - لم يتغير شيء. قبل 15 أو 20 عاما كان من سابع المستحيلات أن يتم "تقليط" وجبة الغداء قبل اجتماع كل أفراد الأسرة، كان الأمر مبهجا ويشعرك بجمال "اللمة" وروح الأسرة. الآن، وفي ظل بروز النزعة الفردية التي طغت على أفراد الأسرة، وصلنا إلى هذه الحالة التي أصبحت تشتكي منها هذه السيدة وغيرها، فأفراد الأسرة لا يعنيهم كم من الوقت وقفت الأم على رجليها في المطبخ لتعد الغداء، ولا يهمهم جبر خاطرها بتناول الغداء معها، ولا حتى فكروا كيف يعتذرون منها بطريقة لطيفة تغسل تعبها ووقفتها "اللي انكرفت فيها" في المطبخ. قد يقول أحدهم، لكن الزمن تغير، وارتباطات العمل ومشاغله ازدادت، وسرعة وتيرة الحياة وكثرة المطاعم وإغراءات الدعايات دفع هذه الأجيال إلى الانغماس في دوامة النزعة الفردية، التي تجعلهم لا يهتمون كثيرا بمشاعر من حولهم من أفراد الأسرة. ليس بالضرورة جلوس الأسرة على وجبة الغداء إن تعذر الأمر، لكن بالإمكان التعويض عن ذلك بوجبة الفطور أو العشاء، فكثير يغفلون عن أهمية هذا الاجتماع و"اللمة" التي تعزز الانتماء وروح الأسرة، وتسمح للأبوين بالتواصل السمعي والبصري مع أبنائهم وقراءة لغة أجسادهم. لا تتعذر بضغوط العمل والارتباطات الأخرى، ولا تجعل زوجتك تبحث كل مساء عن "قطاوة الحي" وهي تتساءل: "أسوي بكره غدا أو ما أسوي"؟!
( صحيفة الإقتصادية )