"شيمة رجال" ( معيض الرفدي )
تقترف أنفسنا الكثير من الآثام بفعل أيدينا.. وتنتاب النفس مشاعر فيَّاضة تجاه من يشعرها بالوقوف والمؤازرة إلى جانبها.. خلال السنوات المنصرمة شاركْتُ في الكثير من المجموعات... أو ما يطلق عليها "قروبات"... وهو مسمى أجنبي لا يليق قوله؛ بيد أني أستشعر هنا نبل بعض الناس وهم فئة من البشر لا يمكن وصفهم إلا بالنبلاء، الذين يمشون على الأرض.
لم تعد فكرة التضحية وتقديم النفيس في قاموس الكثير من البشر.. أصبحت الحياة مادة وأرقامًا وخوفًا على الأرصدة؛ لكن الدنيا لم تخلو من رجال الشيمة والقيمة؛ لنجدة الملهوف.
هناك قامات من الرجال عجزْتُ أن أصل لمآثرهم، وهم أكثر من أصدقاء، وأغلى من نفيس الجواهر.. قبيل بضعة أعوام أسَّسْتُ وأصدقاء معي مجموعة تواصلية إعلامية؛ للتباحث والنقاش عما يدور في بلاط صاحبة الجلالة، أطلقنا عليها "صحافيون" كنت أنشد فيها أن تكون لبثِّ الكلمة الجميلة والضحكة البريئة، وهدفت منها أيضًا عدم انقطاع تواصل الزملاء والأصدقاء؛ خاصة المغادرون للصحافة، وعمل ندوات، والمحاضرات التي تخدم وطننا الغالي علينا جميعًا.
وكانت النتائج مبهرة والتفاعل قويًّا جدًّا. فقط لأننا شاركنا الجميع كل لحظة فرح وحزن ونجاح.. وهذا السر الذي لم يصل إليه المعنيُّون بحالة الصحافة بكافة أطيافها.. أردتُ أن أُعربَ لملتقى "صحافيون" الذين تعجز كل كلمات الوفاء عن ما قاموا به تجاه زميل وصديق للجميع.. فما أن أعلنَّا عن حاجة عضو في المجموعة، وتحدثنا عن معاناته حتى التفتت الأيادي، وتشابكت بشكل عجيب لمؤازرته، فكانت النتيجة تنافسًا مثيرًا لمعنى العطاء والأخوة الحقيقية، فمنهم من سعى للمساهمة في حل معاناة زميله، ومنهم من حرص على تفقد احتياجات أبنائه دون كلل أو ملل (لله دركم)، نعم الرجال أنتم.
إن "رجال صحافيون" لايزالون يقدِّمون الغالي والنفيس تجاه أخ للجميع يتعرض لمعاناة جسيمة، ويتنافسون في سرعة إنهاء معاناته، ووصل الأمر بهم إلى التحرك لكل غرمائه من أجل سداد ما عليه.. هذه الفئة من الرجال تجعلك تخجل منهم في كل شيء، ويعجز اللسان عن وصف شيَمهم، فهم لعمري أحفاد من جابوا المعمورة بكرمهم وطيبهم حتى أحبهم أهل الأرض.
سيعجز مداد القلم عن البوح بكل تلك المآثر؛ لكن تبقى النفس متشبِّثة بفضائلهم التي يفوح منها طيب المسك، وعبق الورد، ورحابة النفس.. ولا أزيد.