عشرون عاما مع العالم الآخر!! ( لولو الحبيشي )
- تجاوزت حياتنا مع شبكة المعلومات عقدين من الزمان، كانت استخداماتنا لها طوال هذه الفترة –ولا تزال- بعيدة عن الاستثمار الإيجابي، إن في بناء المحتوى العربي الثري، أو في إطلاق المنصات المنافسة، بل إننا حتى في الجانب الاجتماعي الذي يحظى باهتمامنا وإدماننا لم نُسخِّره لخدمتنا وتنظيم حياتنا وتغييرها للأفضل على النحو الذي يتوافق مع طول المدة واتساع التجربة، ولو أن وعينا ينمو إزاء امتداد الشبكة العنكبوتية ونفوذها العريض في كسر الحدود لكنه وعي بطيء، تحكمه الفوضى واللامبالاة وانعدام الجدية، والجهل أو
تجاهل ما يترتب على حضورنا في عالم الإنترنت.
- عشرون عاما رمت بظلالها الثقيل على حياتنا، فصرفت كثيرين منَّا عن المهارات اليدوية والفنون الإبداعية، فشغلنا عن تغذية الخيال بالجمال، وصقل القدرات على التعبير والإنشاء بالنسخ واللصق والتداول المكرر للمحتوى الهش، وبقي
الركود يصنع فقاعات الغثاء ويقدِّمها لصدارة المشهد.
- اجتماعيًّا عشرون عامًا اختلق الكثيرون منَّا ارتباطاتهم الافتراضية، والتزاماتهم الاختيارية، فأصبحوا في خياراتٍ صعبة بين العلاقات على أرض الواقع وواجباتها الحقيقية والالتزام للعلاقات في فضاء الإنترنت، فبتنا نعيش على الفصام والازدواجية بين التغنِّي بالواجب والمفروض على مسرح الإنترنت، والغياب المحبط عن مسرح الحياة الحقيقية، وحتى ما نتبادله مع أقاربنا من تهاني وتحايا إلكترونية بآلية جافة لم يُؤدِ الرسالة العاطفية، بل عطَّل إذكاء المشاعر وتدفئة الحديث بتغييب الحواس وتعطيل الإحساس.
- نحن حقًّا لم نجد خلال العشرين عامًا في شبكة الإنترنت والتواصل مع العالم ما يرفع مستوى التفكير ويُغذِّي ملكات التعبير ويحافظ على حياتنا الواقعية ويُنمِّيها ويُطوِّرها إلا قليلا، ونواجه مشكلة أكبر ونحن نزف أبناءنا لشبكات الإنترنت وهم يحملون نفس دوافعنا الفوضوية، ولا مبالاتنا التي تهدر الكثير وتفوت علينا وعليهم الكثير من فرص استثمار
الفضاء المعلوماتي المتاح.
- نحن بحاجة للتوقف والتأمل وإعادة صياغة العلاقة، والتعامل مع معطيات وإمكانات الإنترنت والتحوُّل من مستهلكين لغثائها، إلى مستثمرين لثرائها.