الحروب محن ومنح
وسفك الدماء والآلام والأحزان، ولا أحد یتمناھا أو یسعى إلیھا، ولكن مع ذلك جعل الله
سبحانھ وتعالى في رحم كل محنة منحة. ومن المنح التي یمكن استخلاصھا من الحروب
رغم ویلاتھا وماسیھا أنھا: تصنع تاریخ الشعوب وتوثقھ،.تطور الثقافات وتزید من
التراكمات المعرفیة، تفرض الثقافات فتسود ثقافة على ثقافة، تعلي من شأن عرق وتحط من
شأن عرق آخر، تطور من الاقتصاد وتجعلھ متحركا دائما، تقلل من العنف ومن الجرائم
داخل الدولة، تصنع الانتصارات وتزید من ثقة الشعوب في نفسھا وتوثق علاقة الشعوب
بحكوماتھا ، تفرض ھیبة الدولة على الدول الأخرى، تمنع الدول الأخرى من محاولة التدخل
أو الاعتداء، تصنع الأبطال، تحرك العزائم المتبلدة بسبب الرفاھیة، تفرض القناعات
وتجعلھا ھي الحقیقة المطلقة ، تصد القناعات المعادیة وتمنعھا من التمدد ، تصنع الأصدقاء
الخائفین والأصدقاء الطامعین والأصدقاء المتملقین والأصدقاء المتربصین وتحیِّد الأعداء
الضعفاء، تطور الصناعات الثقیلة والخفیفة، تطور الصناعات العسكریة والمدنیة ، تحقق
الرفاھیة، تدمر العدو، تحقق السلام، تبني حدودا لسلوك الدول تجاه بعضھا، تمنع إذلال
الشعوب وامتھان كرامتھا ، تقوي الشعور بالإیمان وتثبت عقائد الشعوب، تشبع الشعور
بالانتقام من العدو، تقوي التجارة البینیة بین الشعوب عندما تحقق الأمان لإقلیم أو لعدة أقالیم،
تقلل من الزیادة السكانیة، تقوي الشعور بالإنماء والوطنیة، تقوي الشعور بقیمة الأسرة،
تمكن الشعوب من استشراف المستقبل بإمكانیات ومعارف أكبر وبإرادة أقوى ویحقق
الانتصار فیھا السعادة والفرح للشعوب
لذلك نرى أنھ من الواجب على من تفرض علیھم الحروب، الثبات والحزم والعزم
والإفادة من دروسھا، واستثمار محنھا الشدیدة وتحویلھا إلى منح تعزز القوة والنھضة
والتشیید والبناء؛ وھنا یكمن الانتصار، والله تبارك وتعالى یقول في محكم كتابھ: كتب
علیكم القتال وھو كره لكم، وعسى أن تكرھوا شیئا وھو خیر لكم وعسى أن تحبوا شیئا
وھو شر لكم والله یعلم وأنتم لا تعلمون.
كفانا الله وإیاكم شر الحروب وویلاتھا، وجعلنا من أھل العزم والحزم وممن بإیمانھم
وقوتھم وثقتھم با
وبأنفسھم وقیادتھم یحولون محنھم إلى منح .
* د هلال بن محمد العسكر .