اضطراب مواعيد صرف الرواتب وتداعياته
بعد مرور مدة مناسبة على بدء صرف رواتب الدولة بنظام الأبراج، تبين أن هناك عوائق عديدة تعترض الالتزام بهذا النظام الذي لا يفهمه المتعلمون والمثقفون قبل أن يفهمه ويستوعبه العوام والمواطنون البسطاء. ولا ننسى الارتباك الذي حصل في صرف راتب شوال: إن جاز لنا أن نقول (راتب شوال) لأنه اسمه قد تغير ولا نعرف إن كان راتب العقرب أو الجدي أو الثور أو سواه. ولارتباط ذلك الراتب العتيد بالفترة التي تلي رمضان والعيد تحديداً، كان لا بد من التعديل في موعد صرف الراتب تقديرًا لتلك المناسبات الدينية المهمة وتقديراً كذلك لالتزامات المواطنين الكثيرة والمعقدة في تلك الفترة خصوصا بعد إلغاء البدلات في تلك الفترة. والتي ستعود لهم كاملة ولله الحمد. وسوى مناسبة رمضان هناك مناسبة أخرى مهمة للغاية هي الحج وعيد الأضحى المبارك، وفي السابق كان راتب ذي القعدة يصرف في الخامس والعشرين منه كما هو معروف، وبالتالي يتدبر الناس أمورهم، إلى وقت صرف راتب ذي الحجة في الخامس والعشرين منه أيضا. أما بالنظام الحالي فلا يعلم الناس ما إذا كانوا سيتسلمون رواتبهم قبل الحج أو بعده. وحتى كتابة هذه السطور (قبل الحج) كان الناس ما يزالون يعيشون في (بلبال) الراتب وموعد صرفه، وكثير منهم علق أداءه للفريضة باستلام الراتب أو عدمه حتى لو حصل على تصريح الحج . وما أريد الوصول إليه هو أن نظام صرف الرواتب بالأشهر الهجرية القمرية ملائم تماما للأحوال الخاصة لهذا البلد المسلم وكأنه (مفصل) عليه تفصيلًا، وأي جلباب آخر لن يناسبه أو يناسب أهله . وأزعم والله أعلم أن اعتماد نظام صرف الرواتب بالشهور الهجرية القمرية منذ عهد الملك المؤسس مرورًا بأبنائه البررة سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رحمهم الله ووصولاً إلى عهد ملك العزم والحزم سلمان الخير لم يأت من فراغ، فسوى ارتباط هذه الشهور بدستور هذه البلاد المسلمة القائم على الكتاب والسنة فإن ظروف الوطن والمواطنين المرتبطة بمناسبات إسلامية كبرى تجعل هذا الوطن مهوى أفئدة المسلمين على مدار العام ، هذه الظروف الخاصة لا تسمح أبدًا بأن تصرف رواتب العاملين بغير التقويم الهجري ، والدليل على ذلك ما حصل في تجربة السنة الأولى من اضطراب في رواتب رمضان وشوال والحج وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى أن الدول التي تعتمد التقويم الميلادي في صرف رواتب موظفيها ومعظمها دول غربية غير إسلامية، تكيف نفسها مع مناسباتها الدينية كعيد الميلاد وعيد الفصح وسواهما، فيكون التقويم الميلادي مناسباً لهما تماما كما أن النظام الهجري القمري مناسب لنا تماماً، وما يدعيه البعض من أن معظم الدول الإسلامية تسير على التقويم الميلادي منذ عقود دون عوائق تذكر، وأن ذلك مدعاة لتحولنا عن التقويم الهجري فيه نظر لأن كل البلاد الإسلامية لا تمر بأحوال وظروف استثنائية كالتي تمر بها بلادنا خلال العام الهجري كله دون استثناء، خصوصا في رمضان والحج، بل إن مواطني تلك الدول جميعاً يقصدوننا خلال تلك المناسبتين وخلال العام كله لأداء العمرة. وأحسب أن تجارب المملكة خلال مائة عام تقريبا قد حتمت عليها أن تلتزم بالتقويم الهجري، ولو وجد كل المسؤولين السابقين خيرًا في التحول إلى الميلادي أو التحول إلى نظام الأبراج بما ينفع البلاد والعباد لتحولوا إليه دون تردد.
بقي أن نقول إن توحيد نظم صرف الرواتب أمر ضروري ولا بد منه لجعل حياة المواطنين جميعاً تسير على وتيرة واحدة، ولكن أن تكون هناك ثلاثة أنظمة في وقت واحد تقسم المواطنين إلى ثلاثة أقسام متساوية من حيث العدد، وكل قسم منهم يتسلم رواتبه في موعد مختلف، فإن ذلك سيربك الدائرة الاقتصادية برمتها ويعطل مصالح الخلق لحد لا يمكن تصوره، فالثلث الأول يمثله موظفو الدولة وهم يتسلمون بنظام الأبراج، والثلث الثاني هم موظفو القطاع الخاص وهم يتسلمون بالتقويم الميلادي، والثالث هم المتقاعدون، وهم يتسلمون بالتقويم الهجري (الخامس عشر من كل شهر هجري). وهي حال لا يوجد مثلها في أي دولة من دول العالم. لذلك لا يناسبنا إلا التقويم الهجري.
صحيفة المدينة