انقلاب المفاهيم
- تفاجئنا السلوكيات غير المألوفة ، والتي لا تصدر إلا بعد اعتمال مشوش للمفاهيم والقيم لدى ممارسيها ، ثم لا تلبث أن تتكرر إما لتوارد الخواطر المشوهة أو التعرض لذات المؤثرات أو بداعي التقليد الفارغ .
- يستوي في ذلك السلوكيات المتناقضة، فسلوك «المهايطين» بالتبذير وكفرالنعمة مردُّه اختلال في مفاهيم البذل والكرم صادف فكراً محدوداً ونفساً تعاني من عقد النقص والجوع للظهور ، وعلى الجانب الآخر يرجع سلوك الممسك بخلاً وشحاً لاختلال في مفاهيم الاقتصاد والتوفير صادف نفس الفكر المحدود والنظر القصير والنفس التواقة للظهور ، فالمقتّر قد يقصر في واجبات مهمة كالنفقة الشرعية على أهل بيته اعتقاداً منه بأن جمع المال سيخلده و يمكنه من تكوين ثروة تلفت النظر إليه وربما خيل إليه أنه سيمشي يوما متبختراً بين السبائك الذهبية.
- الفظاظة في القول والسلوك مردها اختلال في مفهوم الصراحة ، فكثيراً ما نسمع تبريرات يسوقها شخص فظ لا يحسن انتقاء الكلام ولا يحتمل احترام الآخرين متذرعاً بأنه لا يحب المجاملات ويعدها ضرباً من النفاق وأن فظاظته صراحة والصراحة موجعة.
- يقابله من يبالغون بكيل المديح لعمل مكتظ بالأخطاء بداعي المجاملة واللباقة، وهو أيضاً اختلال في الفهم يصادف أنفساً مهمومة بالوصول لأهدافها.
- أحيانا يتوهم بعضنا وجود تعارض بين بعض الواجبات والمسؤوليات، كأن يعتقد أن ثمة تعارضاً بين بر الأم وبر الأب حين يختلفان أو يفترقان، أو أن هناك تعارضاً في إرضاء الوالدة والزوجة في آن، حين لا تكونان على وفاق، وقد يتوهم عدم الوفاق أصلاً، فيقصر في واجبه تجاه والديه أو زوجته فيسوغ لنفسه التقصير متخيلاً أنه ضحية اختلافهم، والأمر لا يتعدى كونه خللاً في مفاهيمه للواجبات وحقيقة العلاقات.
- ما نخسره بسبب اختلال المفاهيم ليس سهلاً، وما يترتب عليه من أضرار مجتمعية لا يستهان به، فالتفكك الاجتماعي وانعدام القدوة والتفاخر بممارسة المحرمات أخطر من أن يُغفل عنها، أو يستهان بضرورة مكافحتها.
- والمسؤول في انتشار مثل هذه الأوبئة الفكرية والسلوكية لا يمكن ربطه دوماً بالتربية والعاملين عليها سواء الوالدين أو المدرسة، لأن الذين يمارسونها أغلبهم تجاوزوا سن التربية إن لم يكونوا هم أنفسهم مربين يقع تحت رعايتهم أبناء أو تلاميذ قد يقلدونهم إعجاباً وقد يحقرونهم استهجاناً.
- قد نكتسب سلوكاً ليس لمربينا فيه سهم، وتغيير السلوك مسؤولية ممارسة بالدرجة الأولى(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
- تنمية الذات بتحديد المفاهيم وتصحيحها ورفع اللبس الذي يشوه استيعابها ويحرِّف السلوكيات التي تصدر متكئة عليها وبالعناية بتطوير المهارات الحياتية والذكاء الاجتماعي والعاطفي ، حين يحدث هذا يتحقق السلام الداخلي والتوافق مع المحيط والتصالح مع النفس.
صحيفة المدينة