شمندي والكاتعة والمتسولين
الساعة تُشير إلى الرابعة والنصف مساءً من الرابع والعشرين من شهر رمضان الفارط ، الرابعة والنصف من زمن الأحلام والعصافير المذبوحة، وأنا أجلس في مركبتي أرتدي النظارة السوداء ورائحة عطر ثابته كثبات ما نحاول نسيانه ، والمُكيف البارد نسماته في كُل أركانها وزواياها.
أرقب عداد إشارة المرور يمُر والثواني أثقل على قلبي من جبال الهم والغُربة وقليلاً من الهواجس تثقب ذاكرتي ، ثواني فقط وأنطلق إلى بيتي محملاً بأكياس الخبز والحلوى والمعجنات لأبنائي ففي الغالب نهاية رمضان النفس تنفر من طهي المنزل.
طفل صغير لم يتجاوز العاشرة من سنوات حِلمه يرتدي زياً رياضياً فوقه ثوب من الصوف يطأ بقدميه الصغيرتين النحيلة على أرض " إسفلت " يشهق ألماً ويزفر تعباً، وأرصفه كُتب عليها
" وأحلامُ الاطفالِ قطعة حلوى وهذا طفلُ يبيع حُلمه " !!
يتقدم الطفل باتجاه سيارتين امامي يغلقون النوافذ دونه يقترب نحوي أغلق نصف النافذة والنصف الاخر مفتوح ، ألتفت تجاهه بفوقيه أنظر اليه نظرة استعلاء ما أحقرني وأحقر هذه النفس البشرية !!
أساله ما أسمك ومن أين أتيت ؟
يتمتم بعبارات لم أفهمها يرفع رأسه قليلا وهو يضع يده على جبينه إتقاءً للشمس ويبسط الاخرى لحلمه المذبوح وفي عيناه احتراقه ، وورود عطشى ، يهطل وجعه كالمطر كالصديد أحلام طفولة تتمزق على الرصيف وتحت حرارة الشمس .. ياظل الله ، ياظل الله ، ياظل الله ؟!
" يابُني : أنت الصيف الاخضر ياشمسي ، ياأجمل أجمل الواني "
مشهد أثار كل عاطفتي وجعلني اصب لعنات الدروب والظروف التي جعلتني لا أملك لهؤلاء الا قلمي لعله يصل صوتي .. !
نحن أمام جريمة مكتملة الأركان (عصابة، جمع أموال، استغلال النساء والأطفال) هذه كلها معطيات تجعلك تتيقن بأن خلف الأكمه ما خلفها.
من يستغل حاجة هذا الطفل ليسخرها لجريمته الإنسانية هو لا يعدو كونه زعيما لمافيا جعلت من هؤلاء أداة لمن لا يخاف الله يستغلها لجريمته النكراء في التسول ، اللوم لا يقع على هؤلاء ، هم كمن لا ذنب له فهو مكرها أخاك لا بطل ، من نسج حولهم خيوط الذل والإهانة والاستغلال هو من يجب أن يحاسب ، من رمى بإنسانيته عرض الحائط والخوف من رب العباد هو من يستحق أن نصلبه في الشمس ، الكل يستنكر ويستهجن ولم تتحرك ذرة واحدة من المعنيين بالأمر ، إذاً ياسيدي الفاضل أنت شريك في هذا الجرم بل ربما يكون لك مصلحة من ذلك ، والا ماذا يعني الكل يشاهد وأنت خارج حدود هذه المُشاهدة وكأنك لا ترى ولاتسمع ، لا يعنني طفل يهيم على وجهه يتسول قوته وقوت يومه ولايعننيي إمراه تجلس كالقرفصاء عند الإشارة تحتضن طفل لا نعلم إن كان ابنها أو تم اختطافه ، نحن لا نتحدث عن استثناءات وحالات عابرة بل نتحدث عن ظاهرة ملاحقة الأداة ونهرها عند الإشارات والشوارع سهل جداً لكن الصعب هو التخلص ممن يحرك هذه الأداة لممارسة غوايته واحتراف النصب والاحتيال إلقاء القبض على هذا وأمثاله هو من سيحد من هذه الظاهرة ، ترك الأمور على عواهنها يضر بالبلد وبالطفولة وإنتهاك لإنسانية المرأه ، يجب أن يكون هناك وقفة تبين لنا ماهي الإجراءات التي تم اتخاذها حيال ذلك هذا في حال أن هناك إجراءات اتخذت ، بقايا إنسان امتدت اليهم يد الرذيلة ( شمندي ، الكاتعة) ولا يملكون من الدنيا الا حطامها ، أعيدو تأهيلهم ودمجهم في المجتمع في حال كانوا سعوديين، فهذه المناظر لاتسيء للمجتمع فقط بل تحفر كل من ترسوا على شطآن قلبه الانسانية. أنقذوهم أرجوكم ، أنقذوهم أرجوكم ، أنقذوهم أرجوكم.