عيب.. والله العظيم..!
أسأل نفسى دائماً: لماذا ننساق كالقطيع الغوغائى وراء «موجة حمقاء».. ثم لا نلبث أن نسترد عقولنا ونكشف هول وسذاجة ما فعلناه؟!
مقالات متعلقة
أيها البتاع.. ألا تخجل؟
عن عاصفة الردح
فى ظنى أننا نغمض أعيننا كثيراً عن حقائق الحياة.. ونمشى دون رؤية وراء أنصاف المتعلمين ومعدومى الثقافة والموهبة..!
يحدث ذلك الآن بين القاهرة والرياض..!
لا يعرف مصر الحقيقية سوى عقل واع وقلب ينبض بالخير.. ولا يدرك قيمة السعودية إلا عين ثاقبة وسريرة صافية.. لذا كان طبيعياً أن يتصدر الحمقى مشهد الأيام الماضية، لأنهم كُثر، ولأن أصحاب العقول والقلوب والأعين والسرائر باتوا عملة نادرة!
لعنة الله على مجلس الأمن والأمم المتحدة، إذا كانت الجثث الجالسة على مقاعدها تغرس بذور الفتنة بين شعب واحد على جانبى البحر الأحمر.. سحقاً لروسيا وفرنسا وأمريكا والصين وإنجلترا، إن نجحوا فى وضع القاهرة والرياض على فوهة أزمة!
أنت غاضب ممن يحكمون مصر، وأنت حانق على من يقودون السعودية، رغم أنكما مصير واحد. يمكنك أن تشتم وتسب الطرف الآخر. ما أسهل أن تنفعل و«تعاير».. وما أصعب أن تنظر بداخلك، فحتماً ستجد «جيناً» واحداً ومشتركاً، وقطعاً ستفتح باب بيتك لتلقى السلام على «جارك»، ستجده فى القاهرة سعودياً.. وفى جدة مصرياً.. إذن اقتله بغضبك.. ولكن بعد أن تلقى عليه السلام.
السلام عليكم يا أهل مصر والسعودية.. سلام إبراهيم أبوالأنبياء.. وسلام إسماعيل ويعقوب وإسحاق وموسى وعيسى.. سلام الخاتم الأمين محمد صلى الله وسلم عليهم جميعاً.
أنت لا تعرف مصر جيداً.. لأنك ببساطة شديدة قرأت وشاهدت واستمعت لأبواق إعلامية انسلخت عن عروبتها.. وأنت لا تعرف السعودية أصلاً.. لأنك ببساطة أشد أعطيت عقلك لأصوات وأقلام ينطبق عليها قول المتنبى «لكل داء دواء يُستطاب به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها».
أنت «تعاير» السعودية بـ«تكية» زمان، لأنك تجهل أو لا تريد أن تفهم أن مصر كانت فى وقت اليسر تخدم الحرمين الشريفين حجيجاً ومعتمرين وزائرين. مصر المسلمة تقدم لدينها ودنياها الزاد والزواد.. لم تكن هبة أو منحة أو عطية، بل كانت واجباً وفرض عين، تماماً مثلما تخدم السعودية كلها الحرمين الآن.. وإلا فلماذا اختار ملوك البلد الكريم لقب: خادم الحرمين الشريفين؟
أنت لا تعرف أن السعودية ليست برميل نفط كبيرا، كما يصور لك بعض إعلامك الجاهل. السعودية مهبط الوحى، وفيها بيت الله الحرام.. قبلة صلواتك ودعائك.. وإليها تهفو القلوب.. وفيها الحبيب صلى الله عليه وسلم.. ومن منا لا يحلم بأن يدفن فى البقيع بجوار صحابته رضى الله عنهم وأرضاهم.
أنت لا تعرف أن السعودية ليست «خزينة» دولارات وريالات.. السعودية دولة كبيرة.. ومجتمع له جذور ضاربة فى عمق التاريخ. لم يقل لك أحد إنها أرض فكر وثقافة وعلم وفن أيضاً. لم تسمع طبعاً عن حمد الجاسر المفكر والعالم والباحث السعودى الذى كان عضواً فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة.. ولا عن أحمد السباعى، شيخ المؤرخين السعوديين والأديب والقاص والتربوى الرائد.. ولا عن الروائى العالمى عبدالرحمن منيف.. ولا عن الروائى القاص الفذ عبدالعزيز مشرى ولا عن رموز الصحافة والكتاب السعوديين الكبار عبدالله مناع.. مشعل السديرى.. عبدالرحمن الراشد.. هاشم عبده هاشم.. عبدالله باجبير.. فهد العرابى الحارثى.. تركى السديرى.. أسامة السباعى.. عبدالله العمرى.. محمد محجوب.. محمد التونسى.. ومحمد عبدالستار.
أنت لا تعرف أن السعودية لوحة تشكيلية كبيرة.. لأنك لم تصادف لوحة لعبدالحليم رضوى.. طه صبان.. شاليمار شربتلى.. عبدالله الشيخ.. وضياء عزيز.
السعوديون يحملون لمصر عشقاً لا نفهمه.. لأنه عشق للماضى الجميل.. حين كانوا يطربون لصوت أم كلثوم.. دون أن «تعايرهم».. بل تغنى لشاعرهم الكبير عبدالله الفيصل «ثورة الشك».. ويتهافتون على «شرائط الفيديو» لروائع السينما المصرية.. دون أن يقول لهم أحد «نحن.. وأنتم».. لأنه كان زمن «الفيس الراقى».. وليس «الفيس بوك» القبيح.
أنت لا تعرف الملك فيصل وما فعله فى حرب أكتوبر.. ولا تعرف أن القاضى السعودى الكبير محمد سعيد وزنة ظل يبكى خوفاً على مصر عقب ثورة يناير وما تلاها من أحداث جسام.. حتى كاد يفقد نور عينيه.
أنت لا تعرف ذلك وأكثر.. لأنك تقرأ وتستمع وتشاهد «مسوخ الجهل والنفاق».. ثم إنك قطعاً تضرب كفاً على كف حين ترجع بالذاكرة قليلاً.. وقليلاً جداً لعدة أشهر فقط، فتجد أن نفس الوجوه وذات الأقلام والأصوات كانت «تحلف يمين طلاق» بأحقيه المملكة فى جزيرتى «تيران وصنافير». كانوا يقولون قبل أسابيع: «دى السعودية يا رجالة.. اللى وقفت وقفة رجالة معانا.. إنتم ناسيين بيان الملك عبدالله يرحمه الله فى دعم مصر بعد 30 يونيو 2013؟!».
هم أنفسهم بذات ذواتهم يقولون الآن: المملكة راعية الإرهاب والإرهابيين..؟!!
أنت لا تعرف مصر جيداً.. مصر ليست الأهرامات ولا كورنيش النيل ولا شارعى الهرم وجامعة الدول العربية.. مصر الحضارة والثقافة والفكر والفن.. مصر التى حاربت وهى تحمل راية كل العرب.. مصر الدفء فى عز الشتا.. والحضن الآمن فى الملمات والأزمات.. والدرع الحصينة حين يتكالب الأعداء على الأشقاء.. مصر الأخ الأكبر.. يعصف به الفقر والحاجة أحياناً.. ولكنه «عود صلب» لا تهزه الرياح والعواصف.. مصر كبيرة حين تضحى.. وكبيرة عندما يساعدها الأشقاء.
لا تعايروا مصر بفاقتها.. فدونها ينهار «بيت العرب».. ولا تعايروا السعودية بما كان.. فدونها تسكن «الوحشة» قلوب العرب.
لا حليف إلا الشقيق.. ولا سند إلا من يجرى دمى فى عروقه.. عيب.. والله العظيم..!