احذروا تعليقات قراء العناوين
القراءة عملية معرفية مهمة جدا، حيث تؤدي للوصول إلى مرحلة الفهم والإدراك، وهي جزء من اللغة التي تعد وسيلة اتصال وتعلم وفهم وتواصل مع الثقافات والحضارات.
لكن صار الكثير من الناس كما ذكر الأخ إدريس الدريس:" لا يقرؤون للفهم ويكتفون بقراءة العناوين، والبعض الآخر يكتفي بنقل ما يرده من انطباعات وتعليقات دون تدقيق، وصاروا لا يملكون الوقت لفحص مصداقية ما يهطل على مواقعهم، ويكتفون بالاستنساخ، وكثير من المتلقين قاموا بتأجير عقولهم للغير!"، حيث أظهرت لنا وسائل التواصل الاجتماعي فئة من أعداء القراءة، تعلق لمجرد إثبات الوجود وبسرعة قبل غيرها؛ فئة لا تقرأ إلا العناوين فقط، ثم تجري بسرعة على خانة التعليق لحجز المقعد الأول لتكون أول المعلقين لتكملة النقص الذي يشعرونه!
قُرّاء العناوين (دون المتون)؛ كسالى خاملونن غير قادرين على قراءة أكثر من سطرين، على أقصى تقدير، ثم يصابون بالضجر والنفور والملل؛ لأنهم أصلا يكرهون القراءة كراهة العمى والشلل، لكن حين يتعلق الأمر بـ"التعليق"، ينشطون جدًّا وتدّب فيهم الحماسة جدًّا، فيملؤون الصفحات والصفحات بكلام ركيك مبتذل لا علاقة له بالموضوع، حاشد بالأخطاء الإملائية المحزنة، ناهيك طبعًا عن "بلاوي" النحو والصرف ! فهم أنصافُ أُميين، بالكاد يفكّون الخط، لكنهم يتجرؤون على الكتابة، ويرتكبون خطيئة: "التحرّش بالكتابة"، كما قال "نزار قباني. هم أبناء ثقافة فيس بوك وتويتر اللذان جعلا من الجميع: كُتّابًا ومفكّرين وفلاسفةً ومُنظّرين وصحفيين وشعراء وروائيين، دون أن يحوزوا شهادات "محو أمية".
فئة "قراء العناوين"، هم الأكثر حضورا في خانات التعليقات. يؤكدون "وجودهم" من خلال تعليقاتهم، لأنهم خارج التعليقات لا وجود لهم! منجزهم "الأوحد" في الحياة هو شورت وفانلة وكاب، أقصد: "لايك" و"شير" و"تعليق". حريصون على "كَمّ" الحضور دون "كيفه".، لهذا فدائما هم متعجلون. "ينفثون" تعليقاتهم ليعلنوا عن وجودهم، قبل أن يقرؤوا أو يشاهدوا المادة التي يعلقون عليها !. هم صيدٌ ثمين لبعض المواقع التي تثرى من تزاحم المتصفحين "الكمّي" على صفحاتها المفخخة؛ لأن كل "ضغطة" "لايك"، وكل "شير" وكل "تعليق" مهما كان "سخيفا" يدرُّ عشرات الريالات على صاحب الموقع أو الجريدة بغير جهد ولا موهبة.
قراء العناوين كائنات رخوة منبطحة على شاشات الحواسيب والجوالات مثل قناديل البحر الخاملة اللاسعة؛ كسولون عن القراءة، بقدر نشاطهم المذهل العجيب في التعليق والتشهير. يمتلكون أدمغة ضئيلة تبغضُ القراءة والتفكير والتعلُّم والتبيين والتحليل والتدقيق. وفي مقابل تلك الأدمغة المبسترة الضئيلة، لهم ألسنٌ طويلة متشعبة كالسياط السامة، ومعاجمُ شوهاءُ بذيئةٌ تتقن الشتائم والخوض في الأعراض والخصوصيات والتكفير وادّعاء العلم والوطنية والتُقى. ثم تدخل صفحات أولئك "المعلقون" فتجدها حاشدةً بكل البذاءات.
أيها القارئ المحترم النبيل، يا من تقرأ مقالي الآن، بما أنك قد وصلت إلى هذا السطر الأخير، فاهنأ بالًا وقرّ عينًا، فأنت لستَ من أبناء تلك الثقافة المشوهة أنا أعلّق إذن أنا موجود".
القرآن الكريم أدبنا وعلمنا بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ولكن أصحاب هذه الفئة "قراء العناوين الذين يعلقون تعليقات سطحية لا علاقة لها بالمحتوى" والله أعلم لا يقرؤون حتى القران، ويا ليتهم يستحون!.