الغذامي والشريان على ظهر عصفور
تويتر العصفور الأزرق لم يتوقّف منذ نشأته عن لعب دور الجلاد والضحية في آن واحد، وأكثر من يقاسي نشاز صوت تغريده أولئك الذين يلجون عشه دون أن يدركوا ما يفرضه ذلك العش من تحولات ثقافية تطال طريقة إنشاء الخطاب وتداوليّته، وآليّات التواصل الخطابي القائم على مبدأ تبادل الأدوار، والقبول القسري لاستقبال ألفاظ الشتم بوصفها جزء لا يتجزأ من حريّة التعبير غير المسؤولة.
من يحملون فكراً تقليدياً لا يمكنهم العيش طويلاً داخل العشّ، والحديث عن الفكر التقليدي ليس ذماً إنما هو وصف لنمط تفكيريّ يواجه صعوبة في تقبّل المتغيّرات الحديثة، لنأخذ على سبيل المثال مقدم برنامج "في الثامنة" الذي يذاع على قناة (إم بي سي) داؤود الشريان الذي اعتاد إحراج ضيوفه ومساءلتهم على الهواء مباشرة، فقد أعلن قبل عام انسحابه من تويتر، معللاً ذلك الانسحاب بأن العصفور الأزرق أصبح يسرق الكثير من وقته، وفضل العودة إلى كتابة المقالات للتواصل مع جمهوره، وهو بذلك يتخلى عن الأسلوب التواصلي الحديث ليذهب مجدداً إلى كتابة المقالة في الصحافة الورقية ذات الصوت الأحادي.
وكذلك ما فعل كل من المتحدث الرسمي بوزارة العدل فهد البكران، ومدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرياض الدكتور تركي الشليل اللذين أعلنا إغلاق حسابيهما لتفادي الازدواجيّة فيما بين الحسابين الشخصيين وحسابات الجهات الرسمية التابعَين لها، إذ عجزا عن الفصل الفعلي بين كونهما شخصيتين اجتماعيتين لهما وجودهما المستقبل وبين كونهما متحدثين رسميين لمؤسستيهما الحكوميّتين.
وبين كومة الشخصيّات التي فشلت في فهم تركيبة ذلك العصفور النفسية والجسديّة، تبرز تجارب أخرى ناجحة استطاعت أن تروّضه وتجعل منه صديقاً لدوداً، ومنهم الدكتور عبدالله الغذامي الذي استطاع أن يضع العصفور الأزرق على مشرحة النقد، ليستوحي من حالة الجنون التغريدية كتابه النقدي الذي أسماه "ثقافة تويتر"، وخلص فيه إلى أن حرية التعبير في تويتر هي المزية و العيب معًا، فحريّة هذا تحتكّ بحرية ذاك مباشرة دون ضوابط مادية و لا زمنية.
وقد أسرّ للغذامي أحد رفقاء دربه بأن يترك تويتر بعد أن شاهد ما يلاقيه يومياً من شتم وتسفيه، فكان رده: في خطتي المسبقة أن أتحمل وعثاء الطريق بناء على مفهوم أني شاهد ولست طرفا وبالتالي لن أكون ضحية.