عرق المواطن وعطر الوزير
محمد عسيري
لماذا يجب علينا أن نشعر دائما بكل هذه المسافات والحواجز إذا أردنا الاقتراب من وزير جُعل في منصبه من أجلي وأجلك ، حواجز مفتعلة لا تمت للحقيقة بصلة ولا تعكس مدى العلاقة بين الوزير والمواطن إلا من خلال التصريحات .
فوارق كبيرة تجعلني أشعر أن المناصب تخدش البساطة وتجعل من المعقول مستحيلا في حسابات هذا الزمن مع أنها لا تدوم طويلا . باختصار شديد أتمنى أن أشاهد وزيري يمشي إلى جواري ، يتحسس ما أعاني منه ويمد يده ليضعها على كتفي وهو يقول لي : لا تخف فأنا مطلع على كل ما يؤرق مضاجعكم .. لا أحتاج لتقارير تدلس على عقلي وتحجب عن عيني ما تشعرون به .
هل يجب عليّ كمواطن أن أمشي في الشارع وأنا أشاهد كل تلك المناظر المقززة التي لا أود ذكرها كي لا تنبعث من بين حروفي روائح كريهة تؤذي مشاعركم . بينما وزيري لا يشاهد إلا المناظر المعدة سلفا حتى يبتهج ويصدر من القرارات الإيجابية ما تنعكس عليّ وعلى وطني .
لماذا وجهي المهمل تغطيه تجاعيد الحياة المؤلمة ووجه وزيري يشع نضارة كوجه صبي في مقتبل العمر مع أن السنوات ركضت به بعيدا ، والمعضلة مع السنوات أنها لا تعود للوراء إلا في الذكريات.
لماذا عندما أخرج من بيتي أجد مئات الأعين التي تتبع عثراتي وكلها تنوي محاسبتي على خطأ اقترفته وآخر لم أرتكبه . أما وزيري فإنه يجد خلفه من يصحح أخطاءه ويجعل منها نواميس تبجل ، وحتى عندما يُبعد يكون بناء على رغبته . لماذا وزيري لا يشاركني زحمة الطريق بتعثر المشاريع ، وحرارة الجو ، ورائحة العرق ؟ أليس من المفروض أن أكون في مستوى أناقته وهندامه الذي تفوح منه أغلى العطور الراقية والبخور الأصيل كشاهد ودليل على جودة ما يقدمه لي من خدمات.
هل يستطيع وزيري إلغاء الوجه القبيح للبيروقراطية ونشر التعامل مع المراجعين كبشر لهم حقوق يجب تأديتها لهم بوجه بشوش متسامح دون إشعارهم بالتفضل عليهم.
تساؤلات ستظل تتسول إجاباتها من أفواه الحائرين ، وستظل تعبر الأجيال جيلاً بعد جيل ومكانها محجوز لعلامات الاستفهام.سأخبركم بشيء قبل الوصول للسهم الأخير :
هل تعلمون أني كنتُ غير متصالح مع الحساب والمعادلات الرياضية مع أنها بقليل من الجهد ستنتهي لنتيجة في آخر المطاف .. ولكن المعادلة التي لم أجد لها حلا وربما لن يستطيع وزيري حلها هي مسألة ( سكرتير مكتب مدير مكتب معالي الوزير ) فهذه الدورة الفلكية تحتاج لبذل جهد مضاعف من أجل الوصول لإنسان حباه الله وفضله علينا لأجلنا لا للتباهي ببرج عاجي ربما ينهار فجأة !
مفارقات قد يظنها البعض ساذجة ولكنها تشعرني بمواطنتي التي لا أستطيع التخلي عنها .. لذلك لا تطلبوا مني تصديق كل ما يقال ما لم ينفذ إلى واقع أجده ملموساً يعود نفعه عليّ .
سهم أخير ..
سألني صديقي .. أي الوزارات من وجهة نظرك تقع على عاتقها جل المسؤوليات اتجاه المواطن ؟ وبدون تردد أو حتى النظر إليه .. ثقة مني لا تعالياً عليه قلت : التعليم والصحة .. فالمواطن بلا صحة وبلا تعليم يصبح مواطنا معاقا جسديا وفكريا والوطن يكفيه من المعاقين من يعبث به .
نظر إلي وهو متهالك من الضحك وقال كلمته المشهورة ( الله يخلف علينا .. قل آمين )
فقلت : آمين وانصرف وانصرفت .