اقتراح لإصلاح التعليم التقني في المملكة
يمثل التعليم التقني، في رأي عدد من المهتمين بالمنظومة التربوية في بلادنا، الحلقة الضعيفة في هذه المنظومة ويعامل، بحسبهم، على انه ملاذ للفاشلين رغم انه في ألمانيا وفنلندا مثلا يعد في أرقى المنظومات التربوية العالمية الأساسية لدعم القدرة التشغيلية، وفي إكساب اقتصاد هذه البلدان آليات المنافسة الضرورية . والاهتمام بالتعليم التقني في جميع دول العالم تبرره الاحتياجات الفعلية للتنمية المستدامة، والتطور السريع للتقنية، والحاجة للتعامل معها، وزيادة طلب سوق العمل على التخصصات التقنية بمختلف مهاراتها، إضافة إلى التحولات التقنية الكبيرة التي ينتظرها العالم في المستقبل.
إن واقع التعليم التقني في بلادنا متأخر عن ركب التطور التقني العالمي، وذلك لأسباب عديدة أبرزها ربطه بالتدريب وليس بالتعليم ، وعدم وجود مسارات مفتوحة أمام الراغبين في مواصلة مشوارهم التعليمي التقني الجامعي، ونظرة المجتمع الدونية إلى هذا النوع من التعليم، وضعف مخرجات التعليم العام الذي ينتج طلابا غير مؤهلين للابتكار والمواكبة، إضافة إلى انعدام الرؤية والتخطيط الإستراتيجي البعيد المدى في برامج ومناهج التعليم التقني، حيث تعمل وحدات المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني من أكثر من سبعة عشر عاما على إعداد متدربين وفق منهج غير متجدد، مما جعله من الصعب على المتخرج التعامل مع المستجدات في الحياة وفي سوق العمل.
إن التعليم التقني غير مواكب للتطورات، ويواجه مشكلات متعددة أهمها تسارع الحراك والتطور في سوق العمل التقني، وفي حاجة ماسة وعاجلة إلى تغيير شامل، حتى يتحول من نظام تعليمي (مهمش) إلى محور (أساس) في إستراتيجية التطور والتنمية المستدامة ، وفي حاجة لإعادة تقييم وربط بمتطلبات التنمية والعمل الآنية والمستقبلية، فالوضع الحالي لهذا النوع من التعليم لا يؤهله للقيام بدوره المأمول في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستجابة لطموحات المجتمع التقنية. ويحتاج إلى تغيير هيكلي مع إعادة النظر في تطوير المناهج بشكل مستمر وتحديث طرق وأساليب التعليم وأسلوب تفكير الكثير من المحاضرين غير القادرين على المواكبة والبحث والمتابعة..وفي حاجة إلى تبني منظومة تعليم تقني مندمجة في التعليم الجامعي، وإصلاحات تعليمية تقنية تواكب متطلبات المجتمع حاضرا ومستقبلا.
ولكي نبدأ في تصحيح المسار الخاطئ للتعليم التقني التطبيقي، علينا أولا لا نخلط بين منظومة التعليم، ومنظومة التدريب، وأن نعرف أن هدف التعليم التقني إعداد كوادر علمية عليا مؤهلة تقنيا من علماء وباحثين ومهندسين وخبراء ومدربين ومعلمين. في حين أن هدف التدريب المهني هو تدريب كوادر مهنية لسوق العمل (عمالة مهنية مدربة)، وأن نعرف أن التعليم التقني المتمثل في البرامج الفنية -ما بعد الثانوية- ممثل كليات تقنية وتطبيقية ومجتمعية وغيرها تعتبر من مسؤولية التعليم الجامعي ، كما هو معمول به في معظم دول العالم المتقدمة (وليس من مسؤولية مؤسسات التدريب)، وأن نعرف أن التدريب المهني المتمثل في البرامج المهنية الثانوي فما دون- من مسؤولية المؤسسات التدريبية؛ أي أنه -وفقا لمفهوم التدريب التقني والتدريب المهني القائم حاليا- سيصبح كل شباب وشابات الوطن عمالة وحملة دبلوم ، ومؤهلين مهنيا لسوق العمل فقط، وليس للنجاح في سوق الحياة؛ وكأننا لسنا بحاجة إلى علماء ومهندسين ومفكرين ومبدعين تقنيين بمؤهلات عليا !
ختاما نرى أننا بفصل منظومة التعليم التقني التطبيقي عن منظومة التدريب المهني بالمؤسسة العامة للتدريب المهني، وربطه بالتعليم الجامعي، سوف نستطيع -بإذن الله- أن نبني أساسا متينا للتنمية ونسد حاجة المجتمع تقنيا ومهنيا، ونحقق أهداف التوطين، ونعد العدة لتحديات المستقبل التقنية والمهنية بشكل متوازن. وكل يوم يمر لا سمح الله- ونحن مستمرون فيما نحن عليه حاليا، سندفع ثمنه مضاعفا فيما بعد، لأن تحديات المستقبل حتما ستكون تقنية.