مصاب جلل .. وخطب عظيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل صلاة وأزكى تسليم, أما بعد : فلقد نزل بالأمة مصاب جلل، وخطب عظيم, وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الذي له في كل قطر من الأقطار العربية والإسلامية بل والعالمية سهم وهاج، وبصمة مشعة بالنور والأمل، من اطبقت الأمة جمعاء على حبه والثناء عليه(أنتم شهداء الله في الأرض). ملأ الوطن خيرا وعطاء، فله منا وافر الدعاء، وإن فقده لكبير، ووقعه على النفس شديد، ولكن في خِضَم المآسي والآلام تبرز فلول الآمال، وفي طَيات المحن تبدوا المنح, ومن مَخَاض الأتراح تتوالد الأفراح ويهون المصاب, لأن عزاءنا في فقده أن ولي أمرنا وزمام حكم بلادنا الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الرجل المعطاء، ذي الرأي الرشيد والعمل الصالح السديد، يؤازره ويشد بعضده ولي العهد مقرن بن عبدالعزيز آل سعود، مع شبل الداخلية رجل الأمن والأمان، مكافح إرهاب الزمان، صمام الأمان بعد الله محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، نسأل الله أن يحوطهم بمعيته ويمدهم بعونه، وأن يجعل لهم من أمرهم رشدا، وأن يجري الحق على ألسنتهم, فمع لَوْعَة الفراق تمّ الوفاق والإتفاق، ومع أسى الوداع تم الإعتصام والإجتماع، في مظهر فريد رأيناه في سلاسة انتقال البيعة والمبايعة للملك وولي عهده وولي ولي العهد على السمع والطاعة بالمعروف، مما يثبت أن الأسرة المالكة ذات نسيج متميز مترابط بعكس مايحاك ويقال من الإعداء والمرجفون والناعقون الذين يحاولوا جاهدين بث الكذب والشائعات حيث رأى العالم أجمع ملحمة البيعة وتوافد الناس صغيرهم وكبيرهم اميرهم ومسئوليهم علمائهم وعوامهم للعزاء في المليك المتوفى وفي الوقت نفسه عقد النية والعزم على البيعة
لمليكنا سلمان وحكومته التي إرتأها, إنها ضربت أروع المُثل في إجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وإلتفاف الأمّة حول قيادتها، في ظل أزمات وشتات وفرقة وحروب وصراعات من أجل الزعامة واعتلاء السلطة في معظم بلاد العالم, حتى أنا لنقول أمسينا وفي أعناقنا بيعة لعبدالله بن عبدالعزيز وأصبحنا وفي أعناقنا بيعة لسلمان بن عبدالعزيز، في ظل أمن وأمان فيارب لك الحمد والمنة(لئن شكرتم ﻷزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد), بينما في بلاد اليمن المجاور لنا، العزيز علينا مايعيشه من مآسي, يقول احد قادتها أمسينا ونحن تحت حكم هادي بلا هدوء واصبحنا ونحن بدون حاكم ونعيش فوضى عارمة لا أمن ولا أمان, فهنيئا لكم ياشعب السعودية بحكامكم وهنيئا لحكامكم بكم. اخيراً يقول سبحانه(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ), عزاؤنا في فقيد العالم أجمع أن الموت حق، وأن(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ),فعلينا أن نصبر ونحتسب، وأن نكثر من الدعاء للفقيد، وأن نتعظ ونعتبر فلم تترك عدسات الكاميرات خطوة ولا جهة من أرض الحدث إلا ونقلتها كأننا نشاهدها عيانًا، لقد كانت كل المشاهد تؤكد عظمة الإسلام, وروعة تطبيق سنة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام، فقد كانت مشاهد الجنازة ببساطتها وهيبتها بمثابة رسالة لكل العالم، أن هذا هو الإسلام, وأن هذه هي تشريعاته وتوجيهاته، بعيدًا عن بدع الجنائز، وعن الغلو والتعظيم، وبعيدة كل البعد عن تسييس نهايات الملوك والرؤساء، لقد جاءت مشاهد جنازة الملك عبدالله رحمه الله ببساطتها وشرعيتها؛ لتجلو الصدأ والران والجهل والألم الذي خلفته مشاهد عدد من الجنائز السابقة لعدد من الرؤساء، بتعظيمها والغلو فيها، وجعلها مزارات
وأضرحة ومشاهد تتعلق بها قلوب العوام والمساكين؟! لقد كانت مشاهد الجنازة حقًّا رسالة مباركة بأن هذه هي السنة المحمدية، وهذه هي عقيدة وشريعة هذه البلاد المباركة، وقد وصلت الرسالة مجلجلة في كل مكان في عصر البث الفضائي، فقد كانت علامات الإعجاب والدهشة ببساطة منهج الإسلام عند الموت، تلهج بها كل المحطات والقنوات العالمية وتتحدث بكل اللغات عن هذه الشعائر، فهل يعقل أن يُلف الملك بكفن بسيط؟ وأن يغطى بعبائته بهذا الشكل البسيط؟ وهل يعقل أن يُحمل الملك على نعش بسيط؟ وأن يحمل على الأكتاف بهذا البساطة؟ وهل حقًّا سيقف رؤساء وملوك الدول كغيرهم من الناس في المسجد خلف الجنازة؟ وأيضًا سيقفون في المقبرة كغيرهم حول القبر؟ وهل يصدق أن يدفن الملك مع عامة الناس في مقبرة عادية؟ وهل حقًّا سيبقى قبر الملك مساويًا لبقية القبور؟! دون أن يُبرز أو يُظهر، ودون شموع أو ورود؟! هكذا كانت عشرات الأسئلة بكل اللغات وعلى كل القنوات؛ لتعلن حرص هذه البلاد وقادتها وشعبها على حب دينهم وسنة نبيهمr، وتطبيق شرع ربهم، وأنه لا يبقى في النهاية للإنسان مهما بلغ سوى عمله الصالح، ولذا كان الحديث بإسهاب عن الذكرى الحسنة المتمثلة في تلك الإنجازات المباركة في شتى المجالات المحلية والعالمية للملك عبدالله رحمه الله، والتي كان من أعظمها وأجلها التوسعة التاريخية للحرمين الشريفين التي لم يشهد ولن يشهد التاريخ مثلها، ويكفيه ذلك ذخرا عند ربه, وشكرا من خلقه على مر الزمن كلما جاء مسلمٌ زائرٌ أو حاجٌ أو معتمرٌ.
أنه من سعي لحقن دماء المسلمين في مصر ولبنان واليمن والكويت وفلسطين والعراق والبحرين وغيرها كثير، اسال الله أن يجعل تلك الاعمال جليسا وأنيسا له في قبره, اللهم أجرنا في مصابنا، واغفر لعبدك عبدالله بن
عبدالعزيز وتجاوز عن سيئاته وجازه بالحسنات احسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا, كما نسأله أن يجمع صف ولاة أمرنا وعلمائنا على كتاب الله وسنة رسولهr، وأن يجعلهم إخوة متحابين متآلفين، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، كما نسأل الله أن يسدد ويعين ولي أمرنا الملك سلمان، وولي عهده مقرن, وولي ولي عهده محمد بن نايف, على تحمل هذه الأمانة العظيمة، وأن يوفقهم لما يحب ويرضى، وأن يُعز الله بهم الإسلام والمسلمين, اللهم أرزقهم بطانة صالحة ناصحة، تعينهم على الحق وتجعل منهم خير خلف لخير سلف, يحكمون كتاب الله وسنة رسوله لا يخشون في ذلك لومة لائم، إنه سبحانه على كل شيء قدير، اللهم اجعلهم مناصرين لأهل العقيدة والتوحيد, شوكة في نحور أهل البدع والأفكار الضالة الخوارج والتكفيريين وعباد الشهوات والشبهات المنحرفين من العلمانيين وأذنابهم المفسدين, وصلِ اللهم وبارك وسلم على النبي الأمين، وخلفائه الراشدين، وآله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
أخوكم/ مدير عام الزراعة بمحافظة الخرج
د.عبدالله بن عبدالعزيز السعيس التميمي