اياكم ونكران الجميل !
اياكم ونكران الجميل !
د. هلال محمد العسكر
جزاء صنع الجميل والمعروف عند الكرام اضعاف مضاعفه، أما عند السفهاء الحمقي واللؤماء المتخلفين سلوكا وعقلا فجزاءه الجحود والنكران، وفوقها سبعة كفوف؛.كما يقول المثل الشعبي..!
إن إسداء الجميل من مكارم الأخلاق ومن أعظم الصدقات، ومن الإحسان الذي يفترض أن يقابل بمثله (هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان)، كما أنه ليس من القيم أن يكون جزاء المعروف والجميل النكران والجحود، لأن هذا هو اللؤم الذي يتنافى مع طبائع النفوس السوية؛ ومن الصعوبة بمكان أن يكون ناكر الجيمل سويًّا في نفسه، ومستقيمًا في طبائعه وسلوكه.
إن نكران الجميل عقوق وتمزيق لقيم المجتمع وثوابته، وكثيرة هي النماذج التي نسمع عنها ونراها في مجتمعنا اليوم ،منها:عقوق المبتعث، الذي وثق فيه مليكة ومجتمعه، وأنفقت الدولة مبالغ طائلة على تعليمه وتطويره والارتقاء بمستواه ، ويقابل هذا المعروف باللجوء لارتكاب الجرائم بحق الوطن والمجتمع والدين ومساعدة الأعداء على أهله وإخوانه وبني جلدته، أو عقوق الوالدين بنكران جميلهما؛ وقد يبلغ هذه النكران بالبعض إلى رمي والديه أحدهما أو كليهما في دار المسنين، أو لدى آخرين أبعد صلة، وأبعد قرابة بعدما تحالف عليهما المرض والهرم، أو آخر تنكر لجميل ومعروف لمعلم فاضل حين كان على مقاعد الدراسة، أو لمدير كان سببًا في الارتقاء بمستواه الوظيفي، أو صديق مخلص كان إلى جانبه بماله وجاهه وأفكاره ومشورته، أو لزوجة مخلصة كانت وراء ثراء زوجها واستقراره أو العكس، ثم يقابل كل هذا بالجحود والنكران، وهذا ليس من المروءة ولا من الاخلاق في شيء، وربما جعل البعض يتردد في فعل الجميل للآخرين، وإن فعله فربما على نحو أقل وبخطوات محسوبة !
إن نكران الجميل، تمرد على القيم والأخلاق ، وهروب جبان من مقتضيات المروءة، ومكابرة زائفة، وفشل في العقلية، يرقى بصاحبه إلى حسد الآخرين على النجاح ،حتى لو كان هذا النجاح في خدمته ولصالحه، وإن نكران الجميل عاهة نحتاج التخلص منها والوقوف مع النفس ومراجعتها، واستشعار قوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم)، وقول الرسول الكريم "من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه، فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه".
إن نكران الجميل من مساوئ الخلال وذميم الخصال التي حذرنا منها الإسلام ، لأنه ينافى طبائع النفوس التي طُبعت على حب مَنْ أحسن إليها، وكره من أساء إليها؛ ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان أن يكون ناكر الجميل سوياً في نفسه أو مستقيماً في سلوكه وطبائعه، مما ينعكس بالدرجة الأولى على ذاته وشخصيته وعلاقته مع غيره، فينفضُّ الناس من خدمته، بعد أن يكتشفوا حقيقة المرض الدفين في نفسه.!
إن ديننا الحنيف يحثنا على شكر مَنْ يسدي جميلا ، حتى تسود العلاقات الطيبة في المجتمع، فأكد طاعة ولي الأمر وحب الوطن وبر الوالدين، والإقرار بالجميل وتوجيه الشكر لمن أسداه إلينا، بل الدعاء له. ووجه إلى الاعتراف بالجميل وعدم نكرانه؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن، فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور)
أما أن يحسن الآخرون إلى أحدنا فلا يجدون إلا نكرانًا، فهذا دليل على خِسَّة النفس وحقارتها، إذ أن النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية، معترفة لذوي الفضل بالفضل ؛ فحين لا يقر الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه - سواء من الله أو من المخلوقين- فهو لئيم ، منكر للجميل وجاحد للنعمة.
إن نكران الجميل وجحود فضل الآخرين تخلف في السلوك والعقلية، وسببٌ من أسباب البؤس والشقاء وزوال النعم؛ فمن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فإياكم إياكم من عدم شكر صائع المعروف ومسدي الجميل ولو بكلمة، وكونوا من ألأوفياء، فإن الكريم يحفظ ود ساعة،.واللئيم ينكر ود دهر.