المنتخب المفقود
لا أعرف فريقا وطنيا ذهب إلى مشاركة ما، ينقسم حوله أهله، كما هو الحال مع منتخبنا الوطني الحالي المشارك في نهائيات آسيا 2015، ولا أعرف كيف يستطيع لاعبونا استجماع قواهم والدفاع عن ألوان البلاد وهم يرون ما يرون من انقسام.
موقف صعب، يقع فيه لاعبو المنتخب الوطني. هُم أمام تُهم تتعلق بالإخلاص، وأخرى بالمحسوبية، وثالثة تستهدف اصطياد أي خطأ فني لتعليق المشانق، وفوق هذا كله مطالبون باستعادة العرش الآسيوي، أي موقف أكثر صعوبة من هذا؟
قلت للاعب سعودي: بماذا تشعر أمام كل هذه العواصف؟، أجاب: "لدي أحساس بأن هناك متربصا ينتظر زلة، ويُعّمِل سياطه في ظهري، وأكمل: هؤلاء لا ينتظرون فوزنا، بل يترقبون الخسارة، لا أصدق ما يصلني من رسائل، خصومنا لا يكتبون ما يرسل لي"، وأكمل: أنصار فريقي المحلي يدافعون عني حتى إن أخطأت، أنصار منافسينا يهاجمونني حتى إن أصبت، وأنا تحولت لميدان حرب لا علاقة لي فيها"، ويكمل بمرارة: "بين هؤلاء وهؤلاء لم نعد نرى الفريق الوطني، نريد السلامة فقط". لاعب آخر أجاب: "أشعر بتباين في معاملتي داخل الفريق الوطني، ليس لدي إحساس كامل أن حصصنا في ألوان المنتخب متساوية". وتابع: "ألم تسأل نفسك لماذا نقدم تحت شعارات الأندية عطاءات تفوق ما نقدمه مع المنتخب؟ قلت: بلى. وأكمل: مع الأسف الإحساس بالمسؤولية ينقص والأصل أن يتصاعد".
ما قاله اللاعب الأخير يشبه تماما الفرق بين الموظف في المؤسسات الحكومية، والشركات الخاصة. في الأولى يتمدد النظام ويقصر حسب الشخص ومعارفه وعلاقاته، في الثانية النظام يتعامل غالبا مع الحالة. في الأولى القرار يمر بمخاض عسير، في الثانية يتخذ القرار وفقا للظرف الزماني ومؤثراته الأخرى. في الأولى يتحول المدير إلى النظام نفسه، وتتحول ميوله واهتماماته ومشاعره إلى بنود غير مكتوبة، في الثانية يتحرك المدير وفقا لأدواره التي يرسمها النظام. في الأولى نظام مكتوب معطل، والعرف سائد، في الثانية، لا صوت يعلو فوق النظام.
السطور أعلاه تكشف بألسنة أصحاب الشأن جزءا من الداء، فما هو الدواء؟. في ظني أن مسيري الرياضة السعودية مطالبين بتغذية الشعور بالمسؤولية تجاه الفريق الوطني، هذا لا يتم عبر جُمل إنشائية سمجة مكررة نرددها في الإعلام، بل يحدث بالنظام، هل لدينا لائحة واضحة تحدد العقاب والثواب، تحمي وتحاسب من يدافع عن ألوان الوطن رياضيا؟ وهل وفرنا لهذا الرجل أجواء حقيقية تشعره بقدسية الوطن وألوانه؟
.. سيأتيك مشجع سطحي يجيب بكل صفاقة: الإعلام هو السبب. وهذا المصفوق هو أول من يروج للتفاهات الموجودة في بعض الإعلام إن وافقت هواه، تحدثه عن النظام والقانون المفقود، فيجيبك بكل بلاهة: أصلا المنتخب متدهور من يوم استدعوا النصراويين. تقول له هذا منتخبنا الوطني؟ فيرد مصفوق آخر: بل منتخب الهلال! وهل للهلال والنصر وطن غير وطننا، وهل ولد هؤلاء نصراويين أو هلاليين، أم ولدوا سعوديين يتنفسون حب وطن واحد ويعشقون ترابه؟
وجود بعض المشجعين الموتورين، ليس غريبا، الغريب أن يجدوا من يستمع إليهم، الغريب أن تمارس الضفة الأخرى صمتا، وأن تقف عاجزة عن تقديم نماذج حقيقية يخفي جمالها النماذج البليدة المنتشرة، وأن تحاسب النماذج الجميلة القليلة وفق الميول والهوى أيضا.