الوصفة السرية للنجاح
إن سر النجاح في تحقيق الأهداف والغايات وصنع التغيير والتقدم هو الاخلاص في العمل، حيث يتخلى الانسان عن اطماعه الانانية ورؤيته الضيقة ونرجسيته الحساسة، ويتحرك بنقاء بالمشاركة مع الآخرين لتحقيق ذلك التغيير، اما عدم الاخلاص في العمل فيعني الاستئثار بالمكتسبات واقصاء الآخرين وتهميش دورهم وسيطرة نزعة التسلط من خلال بروز النزعات الانانية والذاتية، من هنا فان امراض التخلف والاستبداد والفساد هي نتاج عدم وجود اخلاص في العمل، كما ان جوهر التغيير الصادق والفعل يمر عبر مسيرة الاخلاص.
الإخلاص معناه التفاني في الاعمال وإتقانها على أحسن وجه، والعمل من اجل متطلبات العمل دون النظر الى الثواب والعقاب، ويمكننا وصفه بانه الطريق المستقيم الأقصر للوصول الى الأهداف.
إن وجود هذه الصفة في أي ميدان، سبب للتقدم والنجاح، وعكسه يكون الفشل حتميا، فهو ضد الفساد والتسيب والتساهل والتكاسل والتراخي، ولعل فقدان هذا الشعور في عمل الإنسان جعل دول كثيرة تعاني من أنواع متعددة من الفشل، السياسي والاقتصادي والخدمي وإلاداري والتعليمي....الخ
فلو أمعنا النظر في ما تعيشه الدول الناجحة في مستويات عدة وخصوصا المتطورة منها، نجد إن أسباب تقدمها ليس بسبب جهات رقابية، أو هيئات نزاهة فحسب رغم أهميتها ، بل نتيجة التركيبة الاجتماعية والنفسية لذات شعوبها ضمن شبكة رقابة ذاتية مرتكزة على مبدأ الإخلاص في جميع الميادين، بحيث أصبحت تلك السمة لديهم بمرتبة القوانين الأساسية والقواعد الأخلاقية التي لا يمكن تجاوزها، فيما فقدت الكثير من الدول ذلك على مستوى واسع، حتى اصبح من النادر جدا التفكير بالمصلحة العامة وترك المصلحة الخاصة، فأصبح العمل الروتيني التقليدي الاستهلاكي بالطرق المتعارف عليها منتشر بشكل عام!
في عالمنا العربي رغم إننا ننتمي الى منظومة قيم متعددة من العقائد الدينية والالتزامات الاجتماعية والثوابت الاخلاقية، الا انها وللأسف لم تستطع لحد الان من دفع اغلبنا الى انتهاج حركة ذات صبغة ونزعة (ايثارية) في واقع الحياة إلا بنسب ضئيلة، وخضعت اغلب أعمالنا الى نهج قائم على اساس الاطر الشكلية فيما بقي السمو بالاعمال الى افضل مرتبة بعيدا عن حركتنا!
الأديان السماوية بمجملها لم تغفل عن هذا الجانب بل وضعته في أساسيات العقيدة والعبادة والعمل، والتأكيد عليه ظل محل اهتمام الجميع، فيما ترجم علماؤنا الأفاضل الآيات القرآنية والأحاديث الواردة، لبيان مدى تأثيره على الواقع الحياتي للناس.
ولذلك تجد الكثير ممن ليسوا على خط التدين، الا انهم يلتزمون بجوهر مبادئ الاديان من حيث لايعلمون ويطبقونها فيكون ناتج عملهم النجاح كونهم قد عملوا ضمن معادلة صحيحة.
هذا المنهج الذي فقد من عملنا وتوجهاتنا لن نجد له بديلا، الا باستحضاره والسير ضمن اطره، فهو يشترك مع الانسان في جميع فصول حياته، فلايمكن للانسان ان يجد ويجتهد في عمل ما الا اذ كان الاخلاص اساسا لحركته.
يقول الامام علي كرم الله وجهه: ( انفسكم ميدانكم الاول، فاذا قدرتم عليها، كنتم على غيرها اقدر).
ولعلنا نحتاج في هذا الميدان الكبير الى حملة واسعة نبتدئ بها بانفسنا وعوائلنا ومجتمعنا لنجعل الاخلاص اساسا في جميع الميادين، والا فلو بقينا مئات الاعوام على حالنا فلن نجد النجاح ولن نوفق اليه، فالعبرة بالنهايات والاسباب بالمقدمات.
الإخلاص ليس طريقاً إلى ثواب الآخرة فحسب، بل هو طريق إلى تقدم الإنسانية، وهو سرُّ كل تطور يشهده البشر، فالاخلاص طريق للتوفيق في كل جانب من جوانب الحياة ولا ينحصر في جانب دون اخر، ولذا فان الاتقان في الاعمال والاخلاص في المسؤوليات بعيدا عن التسيب والفساد والتراخي سيكون قاطعا بنجاح المشاريع وجدية النتائج وعموم الفائدة،
فالإخلاص في تربية الأبناء يبني مجتمعاً متماسكاً وقادراً على البقاء والتقدم والرقي لان البناء يجب ان يكون من الخطوط الاولى وفي اول المهمات، كونها ستشكل الخطوة الاساسية لبدء طريق الالف ميل؛ فايجاد مجتمع مخلص في عمله يحتم البناء التربوي الصحيح للجميع.
والإخلاص في التعليم والتعلُّم يسمو بالمجتمعات إلى مراتب عالية في الحضارة والعلم، وهي مرحلة تَعقب البناء النفسي للمجتمع والمكملة له بالتحصين الداخلي والخارجي، مما يساهم في عملية فهم وادراك معنى طرق النجاح والتطور في اعمار البلدان وبناء المجتمعات، فمعنى الاخلاص هنا هو ان يكون الهدف هو العلم والتعلم خدمة للبشرية عبر الابداع والخلق والابتكار، بعيدا عن النفع المادي المحض والتقليد الاعمى.
والإخلاص في النصيحة والمشورة يؤسس أرضاً خصبة لنمو شجرة الأخوة والإنسانية بين أفراد المجتمع، حيث تسقط الحكومات والدول عندما يكون فيها المستشارون غير مخلصين ويكون همهم الاول المال والجاه فيَفسدون ويُفسدون الدول والحكومات ومن يستشيرهم، ولك تصور النتائج الوخيمة التي تنتج من استشارة من ليس لهم همّ سوى الاطماع والمناصب بعيدا عن امانة من استشارهم واستأمنهم، وما ينتج عن ذلك من شرخ في بنية المجتمع وضياع العدالة بين افراده.
اننا لا نحتاج الى معجزات لتغيير الوضع ولا الى ادوية مستوردة ولا وصفات جاهزة، بل ان كل ما نحتاجه هو الشخص المخلص (لا المخ لص) والعمل المخلص الفعلي، واذا ما حسمنا امرنا باتجاه التخلص من حب الذات على حساب المصلحة العليا والتوجه الى الاخلاص في كل شيء، سياسيين ومثقفين ومسئولين، حكاما ومحكومين فان النجاح بانتظارنا ولو بعد حين.