فواز بن لوفان الظفيري
( ياكعب بن عجرة )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد :
فإنه لاشك ولاريب فيه أن النفس المؤمنة تبغض المكسب الحرام وتفرح بالمكسب الحلال حينما تتحصل عليه ، وبين هذا وذلك بون شاسع فالحرام يسبب الحسرة والألم وإن لم تظهر في وقتها فإنها تظهر على النفس ولو بعد حين ، والمكسب الحلال يسبب الراحة والطمأنينة حتى وإن كان المكسب قليلا ً .
وإنني أتعجب من بعض أناس لايبالون بأخذ الحرام من أين وجهة كانت وزين لهم الشيطان أعمالهم فتراهم يقولون لابأس بذلك محتجين بحجج واهية هذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال(يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم الحرام))؛ رواه البخاري.
كان يحيى بن معين ينشد:
المـال يذهب حلـه وحرامـه *** يومـاً وتبقى في غـد آثامـه
ليـس التـقي بمتـق لإلهـه *** حتى يطيب شرابـه وطعامـه
ويطيب ما يحوي وتكسب كفه *** ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنـا بـه عن ربـه *** فعلى الـنبي صلاتـه وسلامـه
ولنأخذ مثالا ً قد يفعله كثير من الناس بل بعضهم تشمئز نفسه من سماع ذلك بسبب تسويف الشيطان وتزيينه له .
ومثال ذلك هو الغياب عن العمل المناط للمسلم فإن بعض الناس لايبالي بذلك ويتغيب عن العمل ويتأخر بحيل ومكر و بأي حجة كانت حتى وصل لبعض الناس أن يقوم بعضهم بالتوقيع عن بعض في العمل ، وهذا من الكذب وهو من كبائر الذنوب والعياذ بالله ، شاؤوا أم أبوا ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا » . متفق عليه.
فحينما تبين له حقيقة ذلك لايبالي ويقدم لك الاعذار بأنه لابأس بذلك ؟ كيف لابأس بان تفرط في عملك ، كيف لابأس بذلك وأنت تغيب عن عمل مناط بك ، من أين احللت ذلك ، قال تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} (59) سورة يونس.
وبعضهم يدخل في أي معاملة كانت ولايسأل عنها هل هي حرام أم حلال كالاكتتاب في أسهم البنوك ، وتأجير السيارات المنتهي بالتمليك ، وبعضهم يأخذ الربا ويتعامل به فلا حول ولاقوة غلا بالله العلي العظيم .
ألا يستحي أناس من هذا الفعل ، بل تقول لبعضهم أن هذا المال المكتسب حرام ولايحرك فيه ساكنا ، ألا يقشعر جسمك أيها المسلم من كلمة ( مال حرام ) كيف يهنأ لك بال في مطعمك ومشربك وأنت تأكل مالا ً حراما ً ، كيف تتغذى وتطعم من تعول من زوجة وأطفال من مال حرام ألا تتفكر في ذلك؟
وأقول لك : حينما تصاب بمصيبة من مرض وغيرها أين تلتجأ ؟ ستلتجأ إلى الله جل وعلا حتما ً، إذن كيف تأكل مالا ً حراما ً وتدعو الله تعالى وتريد أن يستجيب دعاءك .
ألم تسمع لقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وقال : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء ، يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك " ) صحيح مسلم .
قال صلى الله عليه وسلم " إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به" رواه الترمذي وصححه الألباني.
عن جابر بن عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (... يا كعب بن عجرة لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت النار أولى به ، يا كعب بن عجرة الناس غاديانٍ فغاد بائع نفسه وموبق رقبته، وغاد مبتاع نفسه ومعتق رقبته. وفي رواية الترمذي: لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه الترمذي .
قال في تحفة الأحوذي: "لا يربو" أي لا يرتفع ولا يزيد، ربا المال يربو إذا زاد، "لحم نبت" أي: نشأ "من سحت" بضم السين وسكون الحاء أي: حرام جـ3صـ192.
ومعنى الكلام: أن المرء إذا تعود أكل الحرام حتى نما منه جسمه، فإن جهنم أولى به. والله أعلم.
قال الشاعر :
أيا من عاش في الدنيا طويلا * * * وأفنى العمر في قيل وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى * * * وجمّع من حرام أو حلال
هب الدنيا تقاد إليك عفوا * * * أليس مصير ذلك للزوال
تأملات :
في الصحيحين أنه وجد تمرة في الطريق فقال: ( لولا أخاف أن تكون تمر الصدقة لأكلتها". وتضور ليلة فقيل له في ذلك فقال:"إني وجدت تمرة مسقوطة فأكلتها، فأخشى أن تكون تمر الصدقة ) .
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إمام المتقين ومثلنا الأعلى يؤصل لنا الورع ومنهجا ً في توقي المال الحلال نسير عليه .
وهذا خليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يسير على نهجه وطريقته صلى الله عليه وسلم ، روى البخاري في صحيحه - من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: [كان لـ أبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ فقال الغلام: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحسن الكهانة، إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه ؟! - تقول عائشة: فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه] .
هكذا هم رضي الله عنهم وأرضاهم على سيرة نبيهم ومعلمهم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم .
أخي المسلم يامن ترجو لقاء ربك وتريد مرضاته وتطلب مغفرته ، اتق الله تعالى واعلم أن الدنيا دار ممر لا دار مقر ، فيا حسرة ً على قلوب لم تخشع لذكر ربها ولم تقشعر أبدانها للوعيد ، ويا أسفا ً على نفوس فضلت دار ً فانية على دار باقية ( والآخرة خير وأبقى ) سورة الأعلى .
ألا تريد أيها المسلم الفوز بجنات النعيم ، في سدر وخضود وطلح منضود وماء مسكوب ، فاعمل أيها المسلم لدار لايهرم سكانها وفيها ملا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بناؤها لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه فاللهم اجعنا منهم في جناتك جنات النعيم مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
والحمد لله رب العالمين .