×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

(كفانا قهرا للمطلقات)


كفانا قهرا للمطلقات

حين شرع الله تعالى الزواج أراد سبحانه أن يتمم به سعادة البشر، ويستمر به النسل، فيعيش الأزواج والزوجات والأولاد في مودة ورحمة ووئام واستقرار وقد تتعكر الحياة الزوجية بمشكلات يمكن حلها فتحل ويجدد العلاقة بين الزوجين، ويحس كل واحد منهما بحاجته إلى الآخر.

وقد تكون المشكلة بين الزوجين معضلة لا تحتمل، ومزمنة لا تنتهي، ككراهية أحد الزوجين للآخر، وحينئذ شرع الله تعالى الطلاق؛ لأن استمرار الحياة الزوجية والحالة هذه سيرجع على الزوجين بالشقاء، ويقلب البيت إلى جحيم لا يطاق.

إن الله تعالى شرع الطلاق كما شرع النكاح، فلعل في التحلل من زواج لم يكتب له الاستمرار أن تجد المرأة خيرًا من طليقها، ولعل الرجل يجد خيرًا من طليقته، فيعيش كل واحد منها حياة جديدة سعيدة: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) ولأن عصمة النكاح بيد الرجل، وهو الذي يملك الطلاق، وهو أقدر من المرأة على الفراق؛ شرع الله تعالى للمطلقة حقوقًا تجبر كسر قلبها فحق على من طلق زوجته أن يحفظ لها حقوقها التي أعطاها الله تعالى إياها، وأن لا يجعل حقوقها سلاحا يبتزها به، أو طريقًا إلى الانتقام منها؛ لأن الله تعالى لم يجعل الطلاق في أيدي الأزواج لإخافة زوجاتهم، أو ابتزازهن، أو سلبهن حقوقهن، ولم يشرعه سبحانه سلاحًا للانتقام من الزوجة، وإنما شرعه الله تعالى للتحلل من زواج بدا ضرره على الزوجين .

وحق على أهل المطلقة أن لا يضجروا من ابنتهم حينما تعود إليهم وواجب على المجتمع أن يزيل شعور المطلقة بأنها فاشلة أو ناقصة أو لا تصلح زوجة، بل يشجعها على الزواج مرة أخرى، ولو كانت زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة، فإن الصحابيات -رضي الله عنهن- ترملن وطلقن وتزوجن أكثر من مرة، وأسماء بنت عميس -رضي الله عنها- تزوجت جعفرًا، ثم أبا بكر، ثم عليًّا -رضي الله عنهم أجمعين-.

كما يجب على جماعة المسلمين أن يرفعوا الظلم عن المطلقات إن وقع عليهن ظلم؛ فقرابة المُطلق الظالم لطليقته يعظونه، وينكرون عليه، ولا يتركونه حتى ينصفها وأولياء المُطلقة يترافعون عنها لاستخراج حقوقها، وأما أن تترك المطلقة لهمومها وأحزانها، وتسلب حقوقها، وترمى كما يرمى المتاع فذلك ظلم لا يرضاه الله تعالى.

إن الله تعالى فصل في أحكام الطلاق تفصيلاً يقضي على النزاع، ولكن الناس بجهلهم يجترئون على الله تعالى، ويعطلون حدوده، ولا يأبهون بأحكامه في الطلاق، فيحدث النزاع والشقاق حتى يصار إلى الشرط والقضاء، فما أعظم جناية الناس على أحكام الطلاق!! وما أشد جرأتهم على الله تعالى!! وفي أول آية من سورة الطلاق قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطَّلاق:1]، ولو اتقى المطلقون ربهم في طليقاتهم لما وقع النزاع، ولما صير إلى المحاكم، ولما سلبت حقوق المطلقات، ولما تقاطعت الأسر وتشتت الأولاد، ولكنه الجهل بالله تعالى، والجهل بعظم الجناية، وفداحة الجرم، وضعف الإيمان، وضعف التقوى، وإلا فمن اتقى راعى حدود الله تعالى فلا يتعداها.

يحرم الله تعالى الإضرار بالمرأة سواء بتعليقها، أو تطليقها ومراجعتها ولا رغبة له فيها، وإنما يريد التلاعب بها، واستفزاز أعصابها، وتدمير مشاعرها، وإطالة عدتها، وحبسها وهو لا يريدها، فقال سبحانه: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الكِتَابِ وَالحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:231]، فأمر سبحانه بإمساك الزوجة بمعروف أو تسريحها بإحسان، ونهى عن الإضرار بها، وبيّن أنه ظلم، ونهى عن اتخاذ آياته هزوًا بالتلاعب بأحكام الطلاق، أو التحايل لإسقاط حقوق المطلقات، وبيّن أن فاعل ذلك ظالم لنفسه، وأمر بتذكُّر نعمته سبحانه على المؤمنين بما أنزل من الآيات، وما فصّل من الأحكام، وذكر تعالى أن هذه الآيات موعظة لمن قبلها ووعاها، ثم أمر -عز وجل- بالتقوى، وأخبر سبحانه بأنه عليم بكل شيء، فهو عليم بتحايل المطلقين وكيدهم بالمطلقات للإضرار بهن، أو سلب حقوقهن كفى بهذه الزواجر المتعددة المتنوعة التي انتظمت في سياق واحد عظة للأزواج أن لا يضاروا زوجاتهم، وللمطلقين أن يحسنوا إلى طليقاتهم، وأن يوفوا لهن حقوقهن.



وقد يدفع الزوج انتقامه ونكرانه للجميل أن يضارَّ زوجتَه من أجل أن يضطرَها إلى أن تفتديَ نفسها منه بالخلع، فتردَّ له ما أخذت منه، وفي ذلك يقول جل جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) [النساء: 19]، وفي هذا حماية للزوجة أن يضطرَها الزوج إلى الخلع ليستردَ منها المهر، وهو معدود في شريعةِ الله من أكل أموال الناس بالباطل؛ لأنها لم تكن لتفتديَ نفسَها منه لولا مضارَّتُه لها.

والزوجة متى طَلبت الطلاق من غير سببٍ, ولا مقتضٍ شرعيٍّ؛ فإنها آثمةٌ والعياذ بالله، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ, فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ" رواه الإمامُ أحمدُ وصححه الألبانيُّ.

إن العلاقة الزوجية من مبدئها إلى منتهاها مبنية على حفظ الحقوق وتحقيقِ المعروفِ والإحسان، حتى الطلاق يجب أن يكون بإحسان، فلا مضارة، ولا تشهير، ولا إهانةَ ولا تعيير، ولئن ذهبت رابطة الزوجية فقد بقيت بينهما رابطة الأخوة في الدين، ولئن ذهبت منها حرمة الزوجة بالطلاق فقد بقي له عليه حرمةُ الأخت المسلمة، (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [البقرة: 231]ولا يجوز أن تكون دواعي المفارقة موجبةً لنسيان الفضل بين الزوجين؛ كأن لم تكن بينهما مودةٌ ورحمة، والله يقول مذكرًا في سياق الطلاق: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة: 237].[b]

ومن تأمل أحكام الطلاق في الشرع أدرك قدرَ رحمةِ الله بالمرأة ومدافعته عنها أن يضارها الزوج بالطلاق فعلى الزوج أن يتقي الله ويخاف عقابه وينجي نفسه من دعوة مظلومة وأن يتدبر آيات الله في أحكام الطلاق ومعرفة مقاصدها فإنها العلاج الأنفع والأنجع لهداية القلوب للحق والطمأنينة .

اللهم ألِّف بين قلوبنا, وأصلح شبابنا ونساءنا, واجمع شمل كلِّ زوجين مُتحابَّيْن, ولا تجعلنا سبباً في فراق أحدٍ منهم بغير حق ومصلحة يا رب العالمين.





كتبه بندر ابراهيم الحمود
بواسطة :
 0  0  21664

الأكثر قراءة

سمير المقرن الحادثة التي نشرتها جريدة «اليوم» بداية هذا الأسبوع...

03-17-2010 06:11 الأربعاء

لأول مره التعبير عن التعبير عوض الأحمري منذ أن حملت مع أبناء...

06-28-2010 06:05 الإثنين

نشرت صحيفة «الغد» الأردنية في عددها الصادر يوم 21/2/2010 الإعلان...

03-13-2010 06:52 السبت

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية مسفر القحطاني...

06-26-2010 10:30 السبت

ترقبوا ؟؟؟ نورة الاحمري لقد كان من كم يوم هدية من خادم...

09-05-2010 11:10 الأحد

لعنة000الكرسي !البعض يعتقد انه الأمر الناهي منذ أن يتسلم مسؤولية...

09-02-2010 11:38 الخميس

محتويات

التربية بالسكاكين

التربية بالسكاكين

سمير المقرن الحادثة التي نشرتها جريدة «اليوم» بداية هذا الأسبوع عن تعرض طالب لم يتجاوز عمره إثني عشر عاماً..

03-17-2010 06:11 الأربعاء   90894
لاول مره التعبير عن التعبير

لاول مره التعبير عن التعبير

لأول مره التعبير عن التعبير عوض الأحمري منذ أن حملت مع أبناء هذا الوطن حقيبة المدرسة وأنا أتلقى و أتلقن مواضيع..

06-28-2010 06:05 الإثنين   98401
وظيفة سعودية في صحيفة أردنية

وظيفة سعودية في صحيفة أردنية

نشرت صحيفة «الغد» الأردنية في عددها الصادر يوم 21/2/2010 الإعلان التالي: «فرصة عمل في المملكة العربية السعودية، مطلوب..

03-13-2010 06:52 السبت   89068
المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية

المقابلات الشخصية للضرورة أم للمحسوبية مسفر القحطاني دخلت في الآونة الأخيرة عملية إجراء المقابلات الشخصية..

06-26-2010 10:30 السبت   91386

جديد الفيديو