معالي الوزير بين القسم والعافية..!!
تم ترشيحه لكي يكون وزيراً .. وتعهد وأقسم بان يكون مخلصا لله ومحافظاً على المصالح والأنظمة، وأن يؤدي عمله بالصدق والأمانة والإخلاص ... وفرح ذلك الوزير الجديد وأبتهج بمنصبة ـ وتمنيت أن يبكي قليلاً على نفسه لتحمله لتك الأمانة الكبيرة التي عجزت أن تحملها الجبال ـ ودخل وزارته في أول أيام حياته كوزير ... وهو يحمل في جعبته أفكارا وطموحات وآمال وهواجس ... أمور كثيرة ..!! وفجأة وإذ به يدخل في دخان على هيئة ضباب كثيف يغطي ساحات ومداخل الوزارة وإذ به بخور من النوع الفاخر .. يتطاير أمام معالي الوزير فرحا بمقدمه ويحمل المبخره كالعادة أيادي قديمة في الوزارة ( ذوات الخبرة ) والابتسامة لا تفارق وجوه الحضور والمصورين والصحفيين والكل يتسابق لينال مكانة شرف ومعرفة عند معالي الوزير .. بعد الحفاوة والتكريم و البخور .. دخل معالي الوزير حدود مكتبة ومن حوله السكرتارية و الوكلاء ومدراء الإدارات والأقسام وطاقم من المجاملين .. وكالعادة تناول معالية القهوة العربية .... بحضور جمع من كبار وكلاء الوزارة المتخوفين من طموحات الوزير الجديد .. ووجوههم لا تغيب عنها الابتسامة والمباركة له والدعاء له بحرارة أن يوفقه الله في عمله فهو خير خلف لخير سلف ... وعقد اجتماع عادي أستغرق ساعتين تقريباً ..وإذ بالوزير الجديد يلقي محاضرة موجزه عن أهم أولوياته في الوزارة ويدعو الجميع بعبارات فضفاضة للعمل بجد وإخلاص وحثهم على المضي قدما نحو تقدم الوطن ورفاهية المواطن وشدد على العمل الجماعي والتطوير اللازم في كل الإدارات داخل الوزارة والعمل على متابعة أعمال الإدارات خارج الوزارة والرفع الفوري بالتقارير والتأكيد على التقارير _ والتي هي عين الوزير طبعاً التي يرى بها الواقع ..!! وتمنى للجميع دوام الصحة والعافية ، وانتهى الاجتماع بضحكات عالية مدلولها (أهلا بك معالي الوزير وكلنا فرح بقدوم معاليك) ويخرج الجميع من مكتب معالي الوزير .. والكل في حالة ذعر وخوف وترقب .. وانتهى اليوم الأول من الاستقبال وبدأ الجميع يتحضر لليوم الثاني وبدأ الوزير عمله في الصباح الباكر ... ليرى إمكانية تطبيق طموحاته وآماله وتعزيز أمانته داخل الوزارة ، وإذ به يرى الموظفين يسارعون خوفاً منه ... ويتسابقون لتوقيع الحضور والجميع يعيش حالة خوف رهيبة بدأ ذلك اليوم ثقيلاً عند معظم الموظفين باستثناء معالي الوزير ... والكل يعد ساعات الدوام لتنتهي قبل أن يأتي عليهم جديد معالي الوزير .. وإذ بالوزير يصدر أول تعميم _ وهو تعميم روتيني بالمناسبة _ وهو ( على الجميع المحافظة على الحضور والانصراف وأنه لن يتهاون مع أي شخص كائن من كان عند تأخره أو استخفافه بالنظام ) شكّل ذلك التعميم رعباً ممزوجاً بضحكات خفيفة على وجوه البعض من الموظفين الذين يعلمون أن ذلك التعميم قد صدر مرارا في عهد معالي الوزير الأسبق ولم يكن هناك أي شي ، بعد مرور شهر كان هناك اجتماع لكل وكيل وزارة مع كافة موظفيه ( طبعاً قص ولصق للعبارات الفضفاضة) للحث على العمل بإخلاص والحرص على الحضور المبكر والتفاني في العمل وأن الوزير شدد على ذلك وعلى الجميع تحمل مسئولياته اتجاه الجميع بلا استثناء .. انتهى الاجتماع .. وانتهت معاناة الخوف عند البعض من الموظفين القدماء وكأن لديهم تنبؤات بعمل الوزير الجديد ..!!
وأصبح واقع تلك الوزارة بعد مرور عام من تقلد وزيرها الجديد عرشها .. تعيش حالة من التغيير في ( السيراميك الأرضي ، واجهة الوزارة ، الأثاث المكتبي ، تغير عامل النظافة الخاص بمكتب الوزير ، تغيير المراسلين في بعض من المكاتب ، تغير الفرش والديكور لبعض المكاتب ترميم مواقف الموظفين ، تعديل بعض المداخل والمخارج .... ) . أما حال الموظفين بتلك الوزارة فتغير بعد عام كذلك إلى ( تغيير المواقع والنقل داخل أروقة الوزارة ( بالواسطة) ، تغيير السيارات والحصول على سيارات من الوزارة أخر موديل ، تغير الهيئة الخارجية للموظف من عارض إلى سكسوكه ، التغيير الكامل لوجبة الإفطار من سندوتشات خفيفة إلى ( تميس وعدس وفول وجبنه وقشطه .... ) وأصبح الجميع ينعم بمقدم الوزير ويدعون الله له بالتوفيق والسداد ... وبعد سنتين غير معالي الوزير قراراته وفاجأ الجميع بتغيير جذري لهيكل الوزارة وقام بالتغير على النحو التالي : ( مدير مكتبة تمت ترقيته إلى مدير إدارة داخل الوزارة ، وكيل الوزير تم إحالة للتقاعد وتعيين مدير الأرشيف وكيلا للوزارة ، تم تغيير مسمى إدارة التخطيط إلى مسمى إدارة التخطيط العامة ، تم تغيير مسمى إدارة الصيانة إلى إدارة الصيانة العامة ، تم نقل مدير خدمات إدارة السلامة ليكون مديراً للأرشيف ..)
وفرح جميع المشمولين بالتغيير ودعا الجميع للوزير بالصحة والعافية وتعهدوا أمام معالي الوزير بتحمل المسؤولية العظيمة ... وأثنوا على خبرة معالي الوزير في سرعة معالجته للأوضاع .. ومضت خمس سنوات على معالي الوزير ولم يغير سوى سيارته ولون البشت وفرش مكتبة ... وفجأة يصدر معالي الوزير تعميماً عاجلاً لكافة الوكلاء والإدارات والأقسام داخليا وخارجياً بالرفع الفوري للتقارير الخمس سنوات القادمة ورفع عدد صفحات التقرير من 100 صفحة إلى 122 صفحة بدون المقدمة والفهرس ... .
تنويه ( السر في عدد صفحات التقرير هو أن معالي الوزير يتفاءل في الرقم 22 )
وألتزم الجميع بلا تأخر في ذلك وقاموا برفع التقارير بكل دقة وأمانة وإنصاف مع تغيير واضح في الإطار والمضمون متمنيين لمعالي الوزير ... طيب الإقامة في الوزارة ... وبعد سنوات قليلة إذ بالوزير يتغير ليأتي وزير آخر .. يقسم ويدخل الوزارة ويعيش حالة من الحفاوة والتكريم والبخور الفاخر والتقارير ... وتنتهي مسئولياته بالوداع والدعاء له بالصحة والعافية .