شيخ القلم
أيها القراء , السلام عليكم , لا اعلم ماذا تسمون هذه الكلمات التي سوف أكتبها , مقالة أم خاطرة , أم هي فقط شذرات فتى , لكم حرية الاختيار أيها الفضلاء , ما أود كتابته هو عن شخص لطالما كسب حب الملايين من الناس في زمانه وأنا أجزم أنه لا زال ذلك الحب يزداد يوما بعد يوم , أحبه الصغار قبل الكبار , كان مرحا عذب الكلام , مشرق الوجه منشرح الصدر , رزين الفكر , منبع الأفكار , لا ينام إلا ودفتره وقلمه بجانبه , إن أراح عينه وطرقت على باله فكرة , قام وجزع فكتبها في جنح ظلام غرفته , إن أصابه الحظ الحسن أستيقظ في الصباح الباكر وإن كان حسن خطه جميلا , فرح , وإن كان غير ذلك وأستصعب عليه قرأته تركه وحزن , هكذا كان كل ليلة , فلعل من قرأ إلى الآن عرف من هو ذاك الشخص الذي يتحدث عنه قلمي وهو ليس له بكفء , كان أسلوبه في الكتابة جميلا جدا , وترجمت أعماله لعدة لغات أجنبية منها الأندوسية ,الأردية والانجليزية , شخص كتب على ما يزيد عن خمسة عشر ألف صفحة وعن ما يزيد عن ألف خطبة , وكان يطرب السامعين بصوته الرنان في الإذاعة , وفي الحقيقة هو أول من تكلم في الإذاعة , حقيقة أكتب لا افتراء ولا كذب , أظنكم عرفته يا سادة , نعم إنه الشيخ الأديب الفقيه علي الطنطاوي , هذا الشخص الذي كلما قرأت له من مقالاته التي ينشرها في كتبه القيمة أو سمعت صوته في موقع التواصل الاجتماعي المعروف (اليوتيوب ) , اشعر أنه بجانبي وأن الكلام موجه لي شخصيا , وكأن الجمهور قد اتخذهم أولاده , ناصحا ومربي لهم , وكأنه لم يفارقنا , لا يخشى قول الحق وإن ارتفعت منزلة من يحادثهم , ويقول الحق ولا يخاف لومت لائم , وأنت عندما تسمع صوته أو تقرأ له , تجد عنده العلم والأدب والحكمة , وروح العلماء وفطنة الأذكياء , ولو أني أخاف الغلو , لاستكثرت من مدحه , ولا أبالي لأنه يستحق كل كلمة قلتها في حقه , فوالله إن لأجده العالم الرزين الورع في زمن قل فيه من رأى مثله , وإن وجد كان عدد أصابع اليد الواحدة, لا تشاؤما ولكنها الحقيقة المره , أصلحنا الله لنصلح حالنا ..آمين .
ونحن عندما نتكلم عن كتبه , فإننا نحتاج أوراقا كثيرة لنوفي حقها من الكلام وهي ليست بحاجة من أن تمدح فما بالك بكاتب هذه المقالة إن أسميتها مقالة يمدح شخصا بهامة وثقل الشيخ رحمة الله عليه , ولكن إن أصدقت القول فإن كلماته الموجزة العذبة التي يسطرها في كتبه الكثيرة التي ظلت إلى يومنا هذا تقرأ وهو الذي فارقنا أكثر من عشرين عاما , وحدث ولا حرج في كتبه النفيسة وهو من اتخذ القلم صديقا لعمره لا يفارقه أبدا , فإن أصابه شيئا أو كدره امرأ ما أو اشغل نفسه بماضي حزين وهو أكثر ما كان يحزنني عندما يذكر أمه وكيف أن موتها ودفنها في مقبرة ( الدحداح ) في سوريا رحمها الله قد أحزنه في الحياة فلا تكاد تقرأ له مقالة ما حتى يحن إلى الماضي فيشاطرك أحزانه وآلامه , هكذا كان رحمه الله , ونحن في صدد التحدث عن كتبه ,كتب الشيخ في أواخر عمره بعد أن ترك الإذاعة وهو بعمر الثمانين مذكرات من حياته اسماها " الذكريات " وهو مقسم إلى ثمانية أجزاء , لو قرأتها لعرفت الشيخ جيدا , ولطاب إلى نفسك أن تلقاه يوم القيامة على سرر متقابلين , وله أيضا مقالتين مشهورتين وهي أكثر المقالات انتشارا له لأنها ترجمت إلى الكثير من اللغات العالمية فاسم الأولى " إلى ابني " وأم الثانية " إلى ابنتي " فقد كٌتبت فيه كل شيء ما يخص الشاب والشابة من أمور الحياة والمراهقة إلى الزواج والمشاكل التي تطرأ لكل منهما , ونصحهم وإرشادهم في هذه الحياة , مبينا لهم الطريق الصحيح , لقد كانت حقا مقالتين تكتب بماء الذهب وبعين الدمع , وتوضع في جميع الكتب لأهميتها الشديدة , فكانت إرشادات أبوية للشاب وللشابة أيضا على ما يفعلانه في هذه الحياة الفاتنة ,ولعلي استنح هذه الفرصة لأذكر بعض الكتب القيمة التي ذكر فيها تجارب حياته ولبها ليستفيد القارئ , ومن بين كتبه " صور وخواطر " , " من حديث النفس " ,و " مع الناس " وغيرها وغيرها من جميل الكلام الذي لو بحثت أيها القارئ المبارك لوجدت ما يسرك, حقا.
وهذه اقتباسا من كتابه (من حديث النفس ) بعد أن تجاوز الاثنين والخمسين من عمره ...." يا أسفي ! لقد مضى أكثر العمر وما ادخرت من الصالحات , ولقد دنا السفر وما تزودتُ ولا استعددت , ولقد قرُب الحصاد وما حرثت ولا زرعت , وسمعت المواعظ ورأيت العبر فما اتعظت ولا اعتبرت, وآن أوان التوبة فأجلت وسوفت.
اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت , فما يغفر الذنوب إلا أنت .
اللهم سترتني فيما مضى فاسترني فيما بقى , ولا تفضحني يوم الحساب.
ورحم الله قارئا قال : آمين "
آمين , والسلام عليكم