لم يعـد للحـب مكان بيننا
أحمد الزهراني
أخذتنا مشاغل الحياة العديدة، بمادياتها ومغرياتها، بهمومها وأحزانها ومشاكلها، حتى ابتعدت بنا كثيرا عمن ينتظرون منا الاهتمام والرعاية، اللفتة والابتسامة، هكذا نحن دائما لا نكاد نرى من هم حولنا، ذلك أن نظرنا إما أن يكون إلى الأعلى حيث تعشش أحلامنا وطموحاتنا وتطلعاتنا (التي لا نهاية لها) وإما أن يكون نظرنا إلى الأسفل حيث يستقر بنا القهر والإحباط والشعور بالظلم، حتى أننا لم نعد نجد الوقت الكافي ولا نحبذ المكان الدافئ، لتختفي الرومانسية تماما في حضرة القلب المتيم البريء الذي تربطنا به علاقة مشروعة، فيبقى وحيدا يمني النفس ويستلهم بخياله الواسع (مدينة أفلاطون الفاضلة).
وهاهي الإحصائيات الواردة أخيرا من وزارة العدل تأتي لتؤكد الارتفاع المستمر والمقلق لنسبة الطلاق، حيث أصدرت المحاكم العامة ومحاكم الضمان والأنكحة بالمملكة خلال عام واحد ما مقداره 28867 صكا أي ما يعادل 79 صكا في اليوم الواحد لحالات طلاق وخلع وفسخ نكاح، وإذا كنت هنا لا أغفل أو لا أقلل أبدا من تلك الأسباب التي يبديها المختصون والباحثون الاجتماعيون حول هذه المسألة ومنها ارتفاع نسبة المعيشة لدخل الفرد أو التعجل في التعامل مع المشكلات التي تطرأ في بداية الحياة الزوجية أو جهل البعض بكيفية تكوين الأسرة والمحافظة على استقرارها، إلا أنني أرى من جهتي بأن الرابط الرئيسي بين هذه الأسباب مجتمعة هو انعدام الحب الحقيقي بين أفراد الأسرة الواحدة، الحب الذي يولد الألفة والرحمة والسكينة، الحب الذي يمكنه الاستمرار والتعايش أي كانت الظروف التي تواجهه، الحب الذي يمكنه الوقوف بصمود في وجه أكبر المشاكل والصعاب، الحب الطاهر العفيف الذي يعيش أيامه الأخيرة والذي ربما نشيعه إلى مثواه الأخير مع إعلان إحصائية الطلاق القادمة.
بالمقابل، هبت أفواج عديدة من بني البشر، بقلوبها العامرة أو الخالية، بعقولها المثقفة أو الفارغة تماما لتوصل رغبتها الأكيدة في الزواج بهذه السيدة أو تلك ممن أعلن عن أنفسهن وأوضحن بأنهن يملكن ملايين الريالات أو يحتكمن على مجموعة كبيرة من العقارات، وقد يقول قائل: ألا يكفي هذا للدلالة الأكيدة على أن الحب لا زال يسكن بيننا وينبض في قلوب السواد الأعظم من الناس؟ ونظنه هنا يقصد حب المال، حب الذات، حب المظاهر، حب التسلق والتملق والاستغلال (حب الخشوم .. تكفا) أي نوع من أنواع الحب قد يكون، إلا أن يكون الحب الصادق (حب القلب للقلب) والـــذي يحتاج إليه مجتمعنا لبناء أسرة سعيدة متحابة ومترابطة، مستقرة ومنتجة وخلاقه.